مؤشرات الفجوة الطبقية في العراق
د. جاسم الحلفي - سياسي وناشط مدني
تُغيّب طغمة الحكم متعمدة أيّ معطيات تتعلق
بعدد الاثرياء في العراق، وحجم ثرواتهم ومصادرها. وهي بذلك تتستر على ثرائها الفاحش.
ويعجز المتابع والباحث عن العثور على أثر للمال العام "المفرهد" في الدورة
الاقتصادية الاعتيادية، باستثناء النتائج الكارثية لعملية الفرهود على اسعار العقارات،
التي سجلت ارتفاعات خارجة عن المنطق. حيث أصبحت سوق العقارات المكان المناسب لغسل الأموال
المسروقة، بعد ان كف النهّابون عن تهريب سرقاتهم الى المصارف الإيرانية واللبنانية،
التي تلاشت ودائعهم السابقة فيها بسبب أوضاع البلدين الاقتصادية المزرية والتضخم، وما
لحق بهما من تداعيات مالية واجتماعية كبيرة.
لكن إجراءات التكتم على أصحاب التريليونات
وعدم الكشف عنهم لم تحقق نجاحا، فصفقات الفساد التي يُكشف عنها بين الحين والآخر تفضحهم
وتعريهم تماما، وتبيّن تسجيل سرقاتهم ارقاما فلكية تعادل ميزانيات دول. سوى ان إجراءات
الملاحقة والمحاسبة المتخذة ضدهم غير مقنعة، فلم نسمع باسترداد أموال نهبت الا بحدود
ضيقة جدا، لا تشكل نسبة يعتد بها. كما ان ما تجسده قصورهم الفخمة وعقاراتهم الكبيرة
وسياراتهم الفارهة وحياتهم الباذخة، انما تؤشر الفجوة الطبقية، وتفضح ثراءهم الفاحش
وما يؤشر من ظاهرة خطيرة وغريبة، تعكس الطبقية الحادة في المجتمع، ووجه التفاوت الطبقي
الصارخ.
وتمثل هذه الهوّة بين الغنى الفاحش والفقر المدقع،
أحد أغرب المفارقات التي يشهدها المجتمع العراقي. ففي الوقت الذي يتمتَّع فيه الأثرياء
بحياة البذخ والترف، ويفكرون ويتصرفون بأنانية ولامبالاة، يبقى الفقر يجثم على صدور
ملايين الفقراء والمهمشين، الذين يطوِّقهم حزام البؤس والحرمان وشظف العيش.
وتتعاظم اعداد الفقراء والمعوزين المليونية،
التي لا تتمكن طغمة الحكم من اخفائها، بل وتضطر احيانا الى إعلانها، دون ان تدرك ان
في ذلك ادانة لكل من أمسك منها بالسلطة وادار مؤسساتها. فالارقام الرسمية المتاحة تؤكد
تصاعد نسب الفقر، وقد أعلنت وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، امس الاول الاثنين، عدد
من سجلوا على الاستمارة الالكترونية الخاصة بقاعدة الفقر، بأمل الحصول على اعانة اجتماعية،
والذي زاد على مليونين ونصف المليون اسرة، واوضحت أن عدد الأسر التي معيلوها من فئة
الرجال بلغ 2.386.041 اسرة، في حين بلغ عدد الأسر التي تعيلها نساء 496.352 في بغداد
والمحافظات. والجدير بالانتباه هنا هو ان الارقام
تتعلق باسر وليس بأفراد، واذا اعتبرنا ان معدل عدد افراد الاسرة الواحدة 5 اشخاص، فان
العدد الكلي يقارب 12.5 مليون شخص، اي ما نسبته 31 بالمائة من عدد السكان. وتلك هي
قاعدة الفقر، التي تصاعدت فوق معدلها في النصف الثاني من عام 2020، عندما بلغت نحو
24.8بالمائة وفق دراسة أجرتها وزارة التخطيط بالتعاون مع البنك الدولي.
ومؤكد ان هذه الأرقام التي أعلنتها وزارة
العمل والشؤون الاجتماعية الاثنين الفائت ليست نهائية، بل ستتصاعد في قادم الأيام،
حيث ان التسجيل مستمر حتى 22 الشهر الجاري. وستكون النتيجة كارثية لو تمكن جميع الفقراء
والمحتاجين من التسجيل. واكاد اجزم ان الرقم النهائي سيكون مهولا وصارخا لو ان عملية
التسجيل استمرت أكثر مع توفر اعداد كافية من الموظفين والمساعدين.
ان الفجوة الطبقية الهائلة مؤشر لعدم الاستقرار،
وهي تكشف وجه نظام المحاصصة القبيح. ولا بديل سوى ما يسعى لتحقيقه الوطنيون النزيهون
الساعون لبناء النظام الديمقراطي الحقيقي، الذي يتبنى العدالة الاجتماعية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق