الخميس، 27 أكتوبر 2022

الرئيسية عن المسؤوليات في سرقة صندوق الأمانات

عن المسؤوليات في سرقة صندوق الأمانات

عن المسؤوليات في سرقة صندوق الأمانات 

د. علي مهدي – كاتب وسياسي

لقد كانت صدمة مدوية التي أثرها وزير المالية وكالة بسرقة أكثر من 2.5 مليار دولار وهو مبلغ خيالي يكاد يغطي ميزانية عدد من الدول وهو من أموال صندوق الأمانات التابع للهيئة العامة للضرائب، وقد عبرت هذه الصدمة عن عمق الازمة العامة التي تمر بها البلاد، ومدى تغلغل حالة الفساد المنتشرة والمدعومة من قبل منظومة الحكم، والتي قالت عنها ممثلة الأمم المتحدة في العراق عند إحاطتها الدورية عند بداية هذا الشهر أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة: ( ان الطبقة السياسية ضالعة في الفساد المستشري وغير مكترثة بمصالح الشعب فهي تعمل لصالحها ولم تستثني أي زعيم ان يدعي انه محمي منه).

مصادر أمانات الضريبة

عند الحصول على عقد تجهيز أحد مؤسسات الدولة او لتنفيذ المشروعات التابعة لها، على صاحب العقد ان يقدم خطاب ضمان مالي تكون مدته القانونية بانتهاء مدة تنفيذ العقد، وعادة ما يحدد خطاب الضمان بنسبة مئوية من المبلغ الكلي للعقد ويوضع المبلغ في صندوق الأمانات حتى انتهاء التسوية المالية بعد خصم الضرائب المستحقة عند تنفيذ العقد، ومن الجدير بالذكر ان المبلغ المتبقي يبقى في صندوق الامانات لمدة خمس سنوات حسب قانون الإدارة المالية، وبعدها يتحول الى الخزينة العامة للدولة إذا لم يُسحب المبلغ من صاحب العقد وأن هذه المبالغ المودعة في صندوق الامانات تقدر بعدد من المليارات.

ومن المعتاد ان إجراءات الحصول على المبلغ المودع في صندوق الامانات يخضع لإجراءات بيروقراطية معقدة حيث الكثير من أصحاب العقود يصابون بالإحباط من الحصول على اموالهم ولمعرفة البعض منهم ان عليهم غرامات بسبب التقصير في تنفيذ العقود.

كانت إعادة مبالغ الأمانات تخضع لعملية تدقيق من قبل ديوان الرقابة المالية منذ شباط 2017 ومن المعروف ان هذا الديوان يتميز بالرصانة والدقة المشهود لها، وقد جرى الاستغناء عن تدقيق الديوان بطلب من قبل اللجنة المالية لمجلس النواب في تموز 2021 وموافقة مكتب رئيس مجلس الوزراء والديوان بحصر التدقيق بالهيئة العامة للضرائب وبموافقة وزير المالية ايضاً في آب 2021.

تحديد المسؤوليات

1- إن عملية سرقة الأموال المودعة في صندوق الامانات تتحملها بالأساس الهيئة العامة للضرائب التابعة لوزارة المالية والتي هي المسؤولة عن تحرير 246 صكاً مالياً للفترة بين أيلول 2021 وآب 2022 بلغت مجمل تكاليفها بحدود 3.7 ترليون دينار عراقي أي ما يعادل 2.5 مليار دولار، وان الأقسام التي تمت عملية السرقة من خلالها هي قسمي (الشركات وكبار المكلفين) وقسم التدقيق والرقابة الداخلية وكذلك القسم المالي وهذه الأقسام تابعة للمديرية العامة للضرائب ومن خلالها تم تسريب أسماء الأشخاص والشركات التي لها مبالغ في صندوق الامانات، وكذلك تتحمل الهيئة العامة للضرائب التابعة لوزارة المالية المسؤولية لأنه سبق وأن استلمت كتاب من وزير المالية في تشرين الثاني 2021 بعدم القيام بصرف رد الامانات قبل استحصال موافقة الوزير، بعد ورود شكوك بوجود تلاعب في عملية رد الامانات، ولم تلتزم بمضمون خطاب الوزير.

2-  إن مصرف الرافدين التابع لوزارة المالية يتحمل المسؤولية ايضا عن صرف هكذا مبالغ خيالية، دون المتابعة والتدقيق واعلام وزارة المالية بشأن هذه المبالغ، حيث من واجبات المصرف متابعة انتقال الأموال والحسابات او أي حركة غير طبيعية لا تتطابق مع المعايير والتعليمات المعتمدة لكي يتم الإبلاغ عنها لدى مكتب غسيل الأموال ومديرية الجريمة المنظمة.

3- ان الشركات الخمس وهي (الحوت، الاحدب والمبدعون، رياح بغداد، بادية المساء) حسب تصريح المستشار المالي لرئيس مجلس الوزراء ورئيس اللجنة المالية لمجلس النواب في الدورة السابقة، تمثل الأداة للجريمة حيث من خلالها تم المطالبة بإعادة الأمانات وتزوير الوكالات بأسماء الأشخاص والشركات، وان هذه الشركات يقف خلفها عدد من السياسيين المدعومين، حيث لا يمكن ان تتصرف هذه الشركات دون وجود بعض التواطؤ من قبل عدد من كتاب العدول ومسجل الشركات، حيث لا يتجرأ شخص ان يقوم بمثل تلك الحيل والاعيب دون ظهير سياسي مسلح.

الاستنتاج

إن هذه المسؤوليات التي ذكرت هي ناتجة عن طبيعة تكوين المنظومة الحاكمة التي لا تحترم الدستور ولا تلتزم بالقانون ولا تهاب القضاء الذي أصبح رهينة للضغوطات السياسية، وأن أساس ذلك هو استنفاذ نظام الحكم القائم على التوافقية حيث اقتسام أغلب القوى السياسية لمغانم السلطة كلٍ وحسب مقاعد كل طرف منها، وهي عاجزة عن محاسبة سراق المال العام والمتسببين بهدر الثروات، حيث ليس من مصلحتها كشف الفاسدين من أي طرف، هذه المنظومة لا تتيح إقامة نظام ديمقراطي برلماني يقوم على أساس الأغلبية والأقلية والتداول السلمي بين القوى الفائزة والخاسرة، ان ذلك يهدد مصيرهم الوجودي فأي ابتعاد عن السلطة ومغانمها هو بداية أفول لمصيرها، وان ما جرى عند نهايات الشهر الماضي خير دليل حيث كنا على مشارف حرب أهلية لأن احد اطراف الصراع أراد الانتقال من التوافقية الى الاغلبية، فمازالت هذه المنظومة لديها بعض المقومات بما لديها من أموال وسلاح، لكن فضيحة سرق أموال صندوق الامانات وغيرها من الفضائح التي ستظهر، سيتم اختراق جدارها كما تم ذلك بفعل انتفاضة تشرين وتداعياتها.

جميع ما ينشر في هذه المدونة للكاتب والصحافي نوري حمدان وهي متاح لجميع المؤسسات الاعلامية في استخدام. يتم التشغيل بواسطة Blogger.