الأحد، 9 أكتوبر 2022

الرئيسية الاثراء بنسبة 20% سنويا عمل مشروع

الاثراء بنسبة 20% سنويا عمل مشروع

الاثراء بنسبة 20% سنويا عمل مشروع

 

رحيم العكيلي – قاضي متقاعد

التعديل الاول لقانون هيئة النزاهة المرقم 30 لسنة 2019 عرف (الكسب غير المشروع) بانه:- (كل زيادة تزيد على 20% سنويا من اموال المكلف او اموال زوجه او اولاده لا تتناسب مع مواردهم الاعتيادية..).

ووفقا لهذا النص فان موظف تبلغ قيمة امواله مليون دينار فقط سيكون امام اتهام بالكسب غير المشروع اذا زادت قيمة امواله مئتي الف دينار وواحد فقط لا غير في تلك السنة، اما من كانت قيمة امواله مليار دولار فأنه لا يمكن ان يكون امام اتهام بالكسب غير المشروع الا اذا زادت قيمة امواله اكثر من 200 مليون دولار سنويا. ولا شك بانها قسمة ضيزى لان تلك النسبة تلاحق ذوي الاموال المحدودة اكثر بكثير مما تلاحق ذوي الاموال الكبيرة، والاخطر بانها تلاحق الزيادات الصغيرة اكثر بكثير مما تلاحق الزيادات الكبيرة، وهذه نكتة سمجة بحد ذاتها.

ومن وجه اخر فأن اشتراط تلك النسبة في الزيادة يعني بانك يمكنك الاثراء اثراء غير مشروع بنسبة 20% فاقل سنويا دون ان تكون امام خطر ملاحقتك عن جريمة الكسب غير المشروع، وكلما زادت اموالك فأن تلك النسبة قد تكون مبلغا كبيرا، قد يصل لمئات ملايين الدولارات.

ان خطورة هذا المعيار لا تقف عند حد تعيين نسبة العشرين في المئة، بل تمتد لربط تلك النسبة بزمن، حينما جعل تلك النسبة مرتبطة بالزيادة المتحققة بسنة واحدة، فاكد التضييق على ذوي الاموال المحدودة ووسع اطار الربح او الزيادة او الاثراء المنفلت من الملاحقة بالنسبة للاثرياء وذوي الدخول الكبيرة.

هذا التعديل الذي بدا لي سذاج جدا، لان واضعه حاول ضبط الزيادة التي تستحق الملاحقة والتجريم عن جريمة الكسب غير المشروع بمعيار منضبط وعادل، لكنه ضل الطريق ليضع له معيار لم يفكر لحظة في كيفية تطبيقه التي لا تحقق ايا من اغراض التجريم والعقاب في هذه الجريمة.

شعرت بالخجل حينما اخبرني احد موظفي هيئة النزاهة بانه كان يظن بان ذلك التعديل من مقترحاتي، وهو لا يعلم بان التعديل صدر بعد حوالي سبع سنوات من انقطاع صلتي بهيئة النزاهة.

ان اتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الفساد في المادة(20) منها، ومعظم القوانين العربية، لم تستعمل غير معيار (الزيادة الكبيرة) او (النمو غير الطبيعي) الذي استعمله المشرع الاردني لتحديد ركن (الزيادة) في جريمة الكسب غير المشروع، وترك الامر للقضاء في تحديد معنى (الزيادة الكبيرة) في ضوء الوقائع المحيطة بالمتهم وطبيعة امواله ووصف النمو او الزيادة فيها، ومقدار دخله المشروع، وظروف عمله، والظروف والوقائع المرتبطة بتجارته او صناعته التي تحققت الزيادة منها وغيرها من الحقائق والملابسات التي تظهر احتمال وجود اثراء غير مشروع او عدم وجوده.

ان طبيعة هذا التعديل -ومثله كثير- يعطي صورة عن حجم التراجع التشريعي في التعديلات والنصوص القانونية التي صدرت بعد عام 2003 ومحدودية افق المشرع وضياع بوصلة التشريع وبوصلة المعالجة عنده، حتى اضحت تعديلاته نكوصا عن الغاية بدل ان تكون منطلقا لها.

جميع ما ينشر في هذه المدونة للكاتب والصحافي نوري حمدان وهي متاح لجميع المؤسسات الاعلامية في استخدام. يتم التشغيل بواسطة Blogger.