التجنيد الالزامي بين الرفض والتأييد
رحيم العكيلي/قاضي متقاعد
يطرح في مجلس النواب العراقي مشروع قانون
يفرض التجنيد الالزامي على الذكور العراقيين للاعمار بين 18-45 عاما،وقد اختلف العراقييون
بشأنه بين مؤيد ومعارض.
المعارضون يرون انه عسكرة للدولة والمجتمع
واعباء مالية ضخمة على موازنة الدولة الريعية التي عجزت ازاء اي نزول في اسعار النفط
عن دفع رواتب موظيفها فاضطرت الحكومة مرة الى تنزيل الرواتب ومرة الى التلاعب بسعر
صرف الدولار لانقاص الرواتب بمقدار الثلث تقريبا في السنين الاخيرة.
كما يرون بانه يفتح ابواب كبيرة للفساد
الصغير والكبير،اذ يحتاج التجنيد الالزامي الى دوائر تجنيد وتسريح ودوائر حسابات وبناء
معسكرات وثكنات عسكرية ضخمة -اذا ما علمنا باحتمال ان يكون عدد المشمولين به قد يصل
الى ملايين المجندين-اضافة الى ما يحتاجه من اسلحة واليات ووقود وملابس واطعام ورواتب
ونقليات ولوازم لا اول لها ولا اخر ،وكل ذلك سيفتح ابواب الفساد الكبير لعقود شراء
وتجهيز الطعام والالبسة والاسلحة والاليات وبناء المعسكرات.
كما انه سيفتح من جديد ابواب الاختلاسات
للاموال العامة فيما يعرفى بالجنود الفضائيين،وتنتعش من جديد معاملات شراء الاجازات
التي سيتمكن ابن الغني من الحصول عليها،بينما ينام ابن الفقير مرغما مقهورا عاجزا عن
شرائها.
ان زيادة الانفاق العسكري يحد من مشاريع
الاعمار والبناء ويقيد التنمية ويقلل التخصيصات لصالح التعليم والصناعة والزراعة والبحث
العلمي وفق ما تقول به الابحاث العلمية.
بينما يرى المؤيدون بانه قد يكون حل لانتشار
التحلل والميوعة والجريمة والتشبه بالنساء ويصنع رجالا اشداء،لكنهم لا يستندون الى
راي او بحث علمي او طبي او نفسي متخصص يقول بذلك،بل على العكس فأن الدراسات والبحوث
العلمية تذهب الى ان العسكرة تزيد من احتمالات انتشار العنف والجريمة والمخدرات.
ولا ادري اذا كان رجالنا الاشداء المتطوعين
الذين قارعوا الارهاب وهزموه،هل كانوا رجالا اشداء بسبب التجنيد الالزامي ام لاسباب
اخرى.
كما يرى المؤيدون ايضا بان التجنيد الالزامي
حل لمشاكل بطالة الشباب التي فاقت الحدود في العراق،ويبدو ان الدولة التي عجزت عن خلق
فرص العمل منتجة كريمة لشبابها العاطل في ميادين البناء والصناعة والزراعة والبحث العلمي
تختار الهائهم بالتجنيد الالزامي غير المنتج،ولو على حساب اهدار ثروات البلاد فيما
لا طائل تحته، مع تحمل المجتمع نتائجه السلبية العظيمة من اهدار الموارد وتأخر التنمية
وتقليل فرص البناء والازدهار المدني.
يبدو ان دولتنا عاجزة عن توفير فرص العمل لشبابنا الا من خلال التطوع في الجيش
او الشرطة او الحشد والا تحشرهم في التجنيد الالزامي،فلا سبيل للرزق الا بحمل البندقية.
لا اداري اذا كانت الوفرة المالية التي
تحقت نتيجة ارتفاع اسعار النفط بسبب الحرب الروسية – الاوكرانية – قد اغرت جهات سياسية
بفكرة التجنيد الالزامي اما للاستحواذ على تلك الوفرة من خلال ابواب الفساد التي سيفتحها،واما
انهم يريدون الهاء الشباب العاطل اليائس عن مشاكسة سلطتهم ونفوذهم وتهديد مصالحهم من
خلال زجهم في تحديات الخدمة العسكرية الالزامية وآلامها وصعوباتها.
وبودي ان يدلنا البرلمانيين المتبنين لفكرة
مشروع القانون من اين ستاتي الدولة بالنفقات الهائلة للتجنيد الالزامي اذا ما تراجعت
اسعار النفط؟
ان فكرة مشروع قانون التجنيد الالزامي يمثل
نكوصا عن كل ما كانت قوى المعارضة السياسية لنظام صدام تنتقده به حول زيادة الانفاق
العسكري وعسكرة الدولة والمجتمع واهدار ورادات البلاد في انفاق استهلاكي غير منتج،وتراجع
عما كانوا ينادون به من وجوب الاعتماد على قوة عسكرية صغيرة متطوعة مهنية مدربة ومجهزة
تجهيزا متطورا لاداء المهام العسكرية المطلوبة دون افراط ولا تفريط في الانفاق عليها.
المصدر/ عراق
اوبزيرفر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق