دجلة الخير – تقرير/ محمد صالح
لطالما اقتصر
اهتمام الفكر الاقتصادي في القرن الماضي على دراسة عملية الإنتاج باعتبارها المحدد
الوحيد لتطورالنمو الاقتصادي، إلا أن التحسينات الاخيرة في الإنتاج والتوزيع
والتسويق في مجالات الطب والصحة والغذاء وغيرها، ادت الى ازدياد التعداد السكاني في
العالم، وقد أدى ذلك إلى زيادة الطلب على السلع والخدمات وبالتالي زيادة الاستهلاك،
هذه التطورات لفتت انتباه واهتمام الخبراء والمفكرين الاقتصاديين إلى الاستهلاك، كونه
عاملا يلعب دورا رئيسيا في تحديد مستوى النشاط الاقتصادي.
فرط الاستهلاك
يهدد وجود البشر على كوكب الارض
فمع ازدياد
الطلب اصبح الاستهلاك مبالغ فيه للمنتجات والخدمات دون وجود الحاجة الحقيقية بل
واصبح الاستهلاك غاية في حد ذاته، هُنا ظهرت النزعة الاستهلاكية والتي خلقت دوامة
استهلاك تتطلب إنتاجًا أكبر للسلع، مما يعني زيادة استهلاك للمواد الخام والطاقة، واستنزاف
اكبر لموارد الارض بشكل عام، والتي بدورها اثرت على البيئة بشكل سلبي وباتت تهدد
وجود البشر على كوكب الارض.
ففرط الاستهلاك
هو من أخطر المشكلات التي تواجه البشر بالوقت الحالي، وان البحث عن علاج ناجح بات
أمرا ضروريا، لأن معدلات الاستهلاك الحالية للموارد الطبيعية تنذر بحدوث كوارث على
الصعيد الانساني والبيئي، فمرض الاستهلاك الذي اصاب ملايين البشر بات يحرم ملايين اخرين
من الحصول على ضروريات البقاء على قيد الحياة.
غياب المستهلك
الرشيد
وبالعودة الى
سبب غياب المستهلك الرشيد وانحراف السلوك الاستهلاكي في المجتمعات بالاخص في
العراق، هو ان المجتمعات المعاصرة باتت تعاني من قصور في المعلومات الصحيحة عن السوق، بالاضافة
الى وسائل الدعاية والاعلان المضلل لقرار المستهلك، يضاف لها عدم معرفة المستهلك لأولويات
حاجاته وعدم توزيع دخله ليلائم هذه الاولويات، كل ذلك أدى إلى انحراف السلوك الاستهلاكي لدى الفرد في المجتمع تبعه انحراف
في السلوك الانتاجي وتخريب للاقتصاد.
استهلاك الكفاف
المجتمعات
البدائية كانت تقوم بـ(استهلاك الكفاف) في توازن
نسبي مع بيئتها، حيث يتم استخراج وإنتاج ما هو ضروري
للبقاء فقط، ولَد هذا النوع من الاستهلاك حدا أدنى من التأثير على البيئة، لكن
طريقة الاستهلاك في المجتمعات الحديثة، ادت الى استنزاف الموارد الطبيعية الأولية
بحجة الانتاج والطلب المتزايد، والتي بات ينتج عنها كميات هائلة من المخلفات
والملوثات البيئية التي تعجز النظم البيئية للكرة الأرضية عن تحملها، وان التلوث
البيئي أدى إلى انقراض كثير من الكائنات الحية، وأصبح مصدر تهديد مباشر لحياة
الإنسان ويزيد من احتمال إصابته بكثير من الأمراض.
الاستهلاك يؤثر
على البيئة ويهدد الثروة الحيوانية
يحذر الصندوق
العالمي للحياة البرية، من ان كوكب الأرض يخسر تنوعه البيولوجي بوتيرة لم يشهدها
إلا في فترات الإنقراض الشامل عازيا السبب للاستهلاك العالمي المنفلت.
ويؤكد الصندوق
العالمي، على ان الاستهلاك المفرط تسبب في انخفاض
هائل في عدد الأحياء البرية على مستوى كوكب الأرض، واشار الى ان هناك انخفاض في
أعداد الفقريات بما فيها الثديات والأسماك والطيور والأحياء البرمائية والسحالي،
بلغ 60 بالمئة بين عامي 1970 و2014.
اما بالنسبة
للعراق فان لديه العديد من المناطق الحيوية، ولكن اعتباراً من عام 2001، فان سبعة
أنواع من الثدييات واثنا عشر نوع من الطيور أصبحت مهددة بالأنقراض.
ويقول الطبيب
البيطري تركي الجياشي مدير مشروع محمية ساوة الطبيعية في محافظة المثنى، إن هناك
انخفاض حاد في اعداد غزلان الريم المتبقية في محمية ساوة في جنوب العراق.
ويشير الجياشي،
الى ان اعداد الغزلان انخفضت من 148 إلى 87 رأساً في شهر واحد فقط، إثر الجوع
وانقطاع موارد الغذاء عن هذه الحيوانات النادرة، بالاضافة للجفاف بسبب التغيرات
المناخية وكذلك انخفاض الدعم بالأعلاف الضرورية لبقائها، حيث نفق نصف هذه الغزلان
منذ 29 أبريل لهذا العام، مؤكدا ان العوامل المناخية أثّرت بشكل كبير ورئيسي على هذه
الغزلان.
وفي صحراء
كربلاء، يروي أبو احمد وهو من سكان البادية ان هذه المناطق كانت إلى وقت قريب تضم
الثعالب والذئاب القطط البرية، لكن وجودها انحسر بعيدا نحو المناطق الحدودية بسبب
تدمير المساحات الخضراء وقلة ينابيع الماء، كما ان أعدادها انحسرت بشكل كبير بسبب
الصيد الجائر أيضا .
الاستهلاك يهدد
الثروة المائية
ليست الثروة
الحيوانية هي الوحيدة التي تأثرت بفعل التغيرات المناخية التي صاحبت ازدياد النزعة
الاستهلاكية، اذ انه ولأول مرة في تاريخها، تتعرض بحيرة (ساوة) في محافظة المثنى
لجفاف كامل، هذا ما اوضحه الناشط البيئي عمر الشيخلي، والذي اكد على ان (ساوة)
كانت تتعرض لتقلص في مساحة المياه داخلها خلال السنوات الماضية وذلك بالتزامن مع
موسم الجفاف وموسم الرطوبة وهطول الأمطار وتزويدها بالمياه الجوفية، مشيرًا إلى أن
ما يحدث إشارة واضحة إلى تأثير التغير المناخي على المنطقة.
اما مستشار
وزارة الموارد المائية عون ذياب، فقد اكد هو الاخر انخفاض منسوب بحيرة حمرين
الاصطناعية الواقعة في وسط العراق إلى مستويات حادّة، عازياً ذلك خصوصاً إلى قلّة
الأمطار والتأثيرات المناخية التي تنذر بجفاف خلال السنوات المقبلة.
واعتبر البنك
الدولي أن غياب السياسات الحقيقة بشأن المياه قد يؤدي إلى فقدان العراق نسبة 20%
من موارده المائية بحلول العام 2050.
الرؤية
الاقتصادية عن الاستهلاك
يوضح الخبير
الاقتصادي ايهاب علي، على انه وبالرغم من اتساع رقعة التكنلوجيا والمكننة والرقمنة
الالكترونية والاقتصاد الرقمي، لكننا لم نستطع استيعاب الطلب العالمي، بالتالي
فنحن اليوم امام تحدي كبير، اذ انه ورغم الخدمات المقدمة لكن هناك افواه مازالت
تسعى لان تُشبع رغباتها باكبر قدرممكن، وان المشكلة الاقتصادية تتبلور في ان
الموارد الاقتصادية تتزايد بمتوالية عددية بينما الحاجات والرغبات السكانية تتزايد
بمتوالية هندسية، بالتالي فان هذه الزيادة تفوق الزيادة الحاصلة بالموارد
الاقتصادية، وهذا ادى الى اتساع الطلب والذي بدوره خلق حالة من الصراع لاستخدام
اكبر قدر ممكن من هذه الموارد واستنزافها، ما ادى الى خلق خلل بيئي ظهرت نتائجه
متمثلة بالتغيرات المناخية وانسحار الاراضي الزراعية وذوبان قسما كبيرا من المناطق
الجليدية في القطب الشمالي وارتفاع هائل في درجات الحرارة، ويضيف ان انحسار المياه
يمثل الخطر الاكبر.
اما
بالنسبة للموارد الاقتصادية مثل النفط
والغاز وماشابهها من الثروات المعدنية فيؤكد الخبير الاقتصادي،على انها بدأت
تُستنزف وبتنا نواجه نقصا حادا في الموارد الاساسية لاستمرار الحياة على الكوكب،
ويختم بالقول، لابد من التوعية بخطورة انتشار ظاهرة (الاستهلاك الترفي الكمالي) والتي
يتوجه فيها الفرد نحو السلع التي قد تكون ليست ضرورية ومهمة بالنسبة له، لكنه يقتنيها من اجل المباهاة فقط، وهذا
النمط من الاستهلاك بدأ ينتشر بين الطبقات المتوسطة الدخل بعد ان كان محصورا على الطبقات
الغنية فقط، وولدت هذه الاسباب مجتمعة صراعا على حساب موارد الارض والبيئة بشكل
عام.
مخلفات
الاستهلاك
تستلزم عمليات
الإنتاج والاستهلاك توليد نفايات تؤدي بدورها الى خلق خلل في التوازن البيئي
للطبيعة، من ناحية أخرى، فان عملية تحويل المواد الخام ، تنتج كمية كبيرة من
النفايات، اذ تشير التقديرات الى أنه يتم إنتاج حوالي 2 مليار طن من النفايات سنويا
في هذه العملية حول العالم.
اما الجهاز
المركزي للإحصاء التابع لوزارة التخطيط العراقية، ذكر في تقرير أن كمية النفايات
الاعتيادية المرفوعة في عام 2020 بلغت 11.8 مليون طن بالسنة، مرتفعة عن سنة 2019
التي بلغت 10.6 مليون طن بالسنة، فيما بلغ معدل كمية النفايات المتولدة عن كل فرد
1.5 كغم يوميًا، وهذه نسبة تتطلب اتخاذ اجراءات صارمة للحد من تبعاتها، وان هذه الكميات
الهائلة من المخلفات والملوثات البيئية تعجز النظم البيئية في العراق عن تحملها
ومعالجتها.
ووفقا للجنة
الموارد الدولية، فان كمية المواد الخام المستخرجة من كوكب الأرض تضاعفت ثلاث مرات
بين عامي 1970 و2010، وخلال عام 2010، تم الوصول إلى 70.000 مليون طن طلبتها الدول
الغنية بشكل أساسي.
ترشيد الاستهلاك
ليست كل انماط
الاستهلاك في المجتمعات لها تأثير سلبي على البيئة، فعلى سبيل المثال ، فان نمط
استهلاك الكفاف أو ذلك القائم على الاستهلاك الرشيد والمستدام تسببت بتأثيرات بيئية
تكاد تكون محدودة.
وان نظرية ترشيد
الإستهلاك من أهم نظريات التوفير في العالم، لعلاج حمى الاستهلاك، اذ ينبغي التركيز
على ترشيد استهلاك الموارد الطبيعية، ومن بعدها ضرورة خفض الإنتاج وبخاصة المنتجات
التي تستنزف الموارد الطبيعية وتلوث كوكبنا الارض، واخيرا لابد من الحد من استهلاك
السلع والمنتجات والخدمات التي تؤثر في التنوع البيولوجي والنظم البيئية.
وختاماَ، لابد
على دعاة الاصلاح والتطوير والتنمية المستدامة، أن يهتموا بالعمل على التوعية
البيئية، ولابد من الإدارة السليمة والإستراتيجية
الفعالة للتعامل مع النفايات ومحاولة تدويرها والاستفادة منها قدر المستطاع، والحد
من الاستهلاك غير الضروري وخلق مستهلك واعي يحافظ على البيئة عندما يضطر لشراء
المنتجات والخدمات بمختلف انواعها، حفاظاً على الموارد والبيئة ومن ثم الحفاظ على حقوق
الأجيال القادمة.
التقرير بدعم من
صندوق الامم المتحدة للديمقراطية UNDEF
ومؤسسة صحفيون من اجل حقوق الانسان JHR
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق