دجلة الخير - البصرة
برعاية المعهد البريطاني لدراسة العراق “BISI” تم إطلاق مشروع التنقيبات عن مدينة الإسكندر المقدوني المفقودة في جنوب العراق. والمعهد هو مؤسسة خيرية عاملة في المملكة المتحدة تقوم بتمويل وتنفيذ البحوث وتدعم مشاريع التعليم عن العراق والدول المجاورة. والمجالات التي تشملها هي الأنثروبولوجيا، وعلم الآثار والتاريخ والجغرافيا واللغات وغيرها في الفنون والعلوم الإنسانية والاجتماعية. إذ يقدم المعهد مجموعة من المنح للمشاريع البحثية والمؤتمرات، كما يساعد في دعم وتطوير وتدريب المهنيين على أعمال البحث والتنقيب في التراث الثقافي للعراق.
المدينة المفقودة
تقع مدينة الإسكندر المفقودة “خاراكس” على تل خبير يعرف اليوم باسم جبل خويبر في ميسان قرب التقاء نهري الكرخة ودجلة. إذ يذكر بليني الأكبر في تاريخه: “ويحتمل أن يكون إنشاء المدينة قد استهدف تحقيق ثلاثة أغراض في الحد الأدنى. أولاً يعتقد أن الإسكندر قد سعى لإقامة قاعدة عسكرية أمامية لصد غارات بدو الصحراء القادمين من الجزيرة. وثانيا أنه أراد أن يكون لديه ميناء جدید يسعى إلى أن يستخدمه كمرکز هجوم لأسطوله الكبير الذي بناه في بابل. وربما قصد ثالثا أن تستعمل هذه المدينة الساحلية كمركز تجاري جديد على رأس الخليج، وميناء يستقبل السفن التي تنقل السلع المحملة ببضائع الشرق الأقصى، لتحل محل تیریدون. إضافة إلى ذلك، لعل مدينة الإسكندر في أقصى جنوب العراق وضعت أساس المرزبانة السلوقية الأولى في المنطقة”.
في عام 1857م حدد رولنسن موقع خاراكس المحتمل على الوجه التالي: ينبغي علي أن أبحث عن الموقع على نحو عشرة أميال فوق جون المحمرة، وأثق أن بعض ضباطنا الشباب النشيطين سوف يقومون بتحريات في هذا المكان أثناء الحملة الحالية (أي مسح لدجلة والفرات). وشعر تشيريكوبر بعد رفض رولنسن قبله بنصف قرن، ما قبله كتحديد جغرافي، أن المدينة كانت قطعا واقعة عند التقاء نهر (يولايوس/الكرخة) ودجلة. ثم عين هنزمن رابية كبيرة في هذه المنطقة، معروفة باسم جبل خويبر واعتبرها موقع خاراكس القديمة.
تقع بقايا المدينة المفقودة على بعد حوالي 40 كم شمال البصرة. حيث ترتفع الأسوار إلى أربعة أمتار فوق السهل، التي تم الكشف عنها مع استكمال استكشاف الحصون وعلى فترات منتظمة من أعمال التنقيب الجارية، كما اتضح من عمليات التنقيب المسار القديم لنهر ديز الذي بدا مرئيا بوضوح. ويقدر أن بقايا المدينة تنتشر على مساحة حوالي خمسة كيلومترات مربعة. ولا تزال حقول الألغام وبقايا المخلفات الحربية العسكرية المدمرة التي نجمت عن الحرب العراقية الإيرانية في ثمانينات القرن الماضي منتشرة في مواقع التنقيب عن المدينة المفقودة، وقد تسببت هذه المخلفات بالكثير من المشاكل للعاملين في عمليات التنقيب.
خريطة المدينة
لقد تم استكشاف المدينة وتسجيلها خلال خريف عام 2017 كما تم رسم خرائط تقريبية للكشف عن حوالي 50 هكتارا من آثار مدينة خاراكس. وتشمل المعالم البارزة التي تم اكتشافها مناطق سكنية واسعة على طراز توزيع شبكي للمنازل، وسلسلة من الأفران وبقايا لقصر أرسايد (الفرثي) تغطي حوالي 10 آلاف متر مربع، أما الفخار الذي وجد في المجسات التنقيبية فيشير إلى أن الآثار التي تم العثور عليها تعود في الغالب إلى حقبة محصورة بين القرن الأول قبل الميلاد والرابع الميلادي.
وفي سياق الاستكشاف السطحي، تم جمع ما يقرب من 200 قطعة نقدية، وقد تم تحديدها حتى الآن واكتشف انها تغطي القرن الأول قبل الميلاد إلى القرن الرابع الميلادي، أي فترة الارساشيد والنصف الأول من الحكم الساساني اللاحق. تنتمي أغلبية العملات المعدنية لحقبة ملوك مملكة ميسان التي وجدت في جنوب العراق، الذين كانوا يقيمون في عاصمتهم خاراكس، ولكن تم العثور كذلك على عملات قديمة يرجح أنها جاءت من أماكن متعددة وتجمعت في مدينة خاراكس لانها كانت مركزا تجاريا وميناء.
كما يتم العمل في خمسة مواقع إضافية ويتم العمل على رسم خرائطها، إذ استطاع باحثون عراقيون مشاركون في مشروع التنقيب استخدام مهاراتهم التي طوروها في عمليات التنقيب السابقة، وأكملوا استطلاعًا عن طريق طائرة الدرون المسيرة لنموذج الارتفاع الرقمي ونفذوا مسحا تجريبيًاعن طريق جهاز المسح الكراديوميتر لاختبار فعاليته في الموقع. والنتيجة المتوقعة أننا إزاء الكشف عن مدينة الإسكندر المقدوني جنوب العراق.
الباحث كرار الروازق
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق