وماذا يقول "المقاومون"؟
د. جاسم الحلفي - سياسي وناشط مدني
لم نكن على وهم حينما حذرنا من ورقة الشؤم،
الورقة البيضاء، التي لم تؤدّ الى مجرد نهب ربع مدخرات العراقيين، حين غيّرت سعر صرف
الدينار امام الدولار، فقد كان هناك مَـــــن ادخر مليون دينار مثلا للأيام السود،
وما اكثرها وهي تدلهمّ في وجه العراقيين وتسرق منهم البهجة.. واذا به عندما أفاق في
صباح يوم 19 كانون الأول 2020، وجد ان قيمة الدينار انخفضت الى 1450 امام الدولار،
بما يعنى عمليا ان الحكومة بمجلس وزرائها والبنك المركزي ومجلس النواب، قد سرقوا منه
250 الف دينار عدا ونقدا، وشرعا وقانونا!
حينها طبّل وزمّر مرتزقة الحكومة للورقة
مدعين انها ستفتح ابواب التطور والتنعم والانفتاح والاعمال والتعمير، وستضع العراق
على اعتاب اصلاح اقتصادي وازدهار تنموي، يحد من الفقر ويقلص الامراض ويمحو الامية ويوفر
السكن ويؤمن العمل للعاطلين، وأطلقوا حملة شعواء ضد كل من يقول كلمة نقد او تحفظ ازاء
الورقة الكالحة تلك.
ولم نتوهم حينما استنتجنا آنذاك، ان هناك
جهتين تتوليان مهمة تدمير الاقتصاد العراقي، وهما طغمة الفساد من جهة، وتلامذة المدرسة
الليبرالية المتوحشة من جهة أخرى،
فبعد سنتين من إطلاق الورقة المذكورة، لم
نجد في اقتصادنا أيّ تنوع، بل بقى ريعيا على حاله. وصحونا على صرح الفساد وقد علا بنيانه،
وارتفعت سقوفه، وازداد دهاء ومكرا حتى فاقت حيله ألاعيب مافيات العالم الاخرى. وتصاعد
"انجازه" ليبلغ سرقة القرن، التي مرت من تحت اقدام وزير المالية، مفكر الورقة
البيضاء، من دون ان يلحظها، وأبقته صامتا أخرس مثل ابو الهول. وليعيش بعدها متنعما
في البلد الذي ارسله الى العراق وزيرا، لا يكاد يبوح بشيء حتى كشاهد في جريمة فساد
لا تشرف من يسكت عنها.
ولم تتوقف ايادي المتلاعبين بقوت العراقيين،
وانما واصلت لتخفض سعر الدينار اكثر وتبقيه عند حد 150,750 مقابل الدولار، بل ولم يتوقف
التلاعب حتى الآن وقد يفقد الدينار مزيدا من قيمته. وتدهورت تبعا لذلك الأحوال المعيشية
لمحدودي الدخل، والعاملين في القطاع غير المنظم، وكل المهمشين ومن هم تحت خط الفقر.
وأبدا لم يترك تلاميذ المدرسة الليبرالية
المتوحشة طغمة الفساد تنهب وحدها أموال العراق، وتتطاول على لقمة عيشهم. فقد دخلوا
معها في تحالف غير معلن، ليرهنوا سوية اقتصاد العراق ويضعوه تحت رحمة وصفات البنك الدولي
وصندوق النقد الدولي، ومنهجهما الرأسمالي البشع الي ذاقت شعوب ودول مستقلة كثيرة مراراته
وصنوف الحرمان الذي خلفه لها.
ولقد تبددت تصريحات طغمة الحكم وادعاءاتها
التوجه نحو إعادة قيمة الدينار العراقي، وخفّ زعيق متحدثيها الزاعمين الدفاع عن المحرومين،
فيما تصاعدت تبريراتهم غير المقنعة، التي لا تصمد امام أيّ جوع يتفوه به فم فقير.
انهم لم يخجلوا من افعالهم الشنيعة، التي وسعت الفجوة
الطبقية بين الأولغارشية المتربعة على خزائن الغنى الفاحش، وملايين المضطهدين المطحونين
تحت وطأة الفقر الكافر. هذه الفجوة التي تكبر يوما بعد اخر، مع تعاظم ارقام الفساد
من جهة وانخفاض قيمة الدينار العراقي امام الدولار الامريكي من جهة أخرى.
ويبقى السؤال الذي ينتظر الجواب: ماذا يقول
"المقاومون" وقد دعموا واقعا الدولار الامريكي على حساب الدينار العراقي؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق