لا يمر يوم من دون ان نقرأ ونسمع خبر القبض على اسطول من الشاحنات كانت تهرب
بضائع مختلفة غير خاضعة لضوابط الاستيراد، وانا اتحدث، مثلا، عن متابعة شخصية لما يُعلن
عن منفذ ميناء ام قصر الشمالي من حالات تكاد تكون يومية وتثير السؤال التفصيلي التالي:
عبد المنعم الأعسم – كاتب وصحافي
اذا كان هذا الكم الهائل من الشاحنات والحاويات التي يُكشف عن عبورها، او حتى
قبل عبورها، نقاط التفتيش الكمركي، فما عدد مثيلاتها التي عبرت تلك النقاط، آمنة، في
هذا المنفذ وفي المنافذ الاخرى؟.
مطلع هذا العام، قالت فرق التفتيش، في هذا المنفذ انها احبطت محاولة تهريب
100 شاحنة (تريلة) محملة بالبضائع المهربة، وبين يدي تقرير يرصد عناوين المحمولات المهربة،
في هذه الشاحنات وفي آلاف غيرها نجحت السلطات في القبض عليها تشمل السيارات والادوية
ومواد البناء والسكائر والمخدرات والمواد الكهربائية ومساحيق الغسيل، هذا عدا عما اشير
الى مخالفات تغيير وصف البضاعة وتزوير وثائق التخليص واوراق فرْق الرسوم، يتولاها موظفون
او وكلاء يتعاونون مع المهربين الذين، بدورهم، يخدمون اشخاصا من اصحاب النفوذ والمال
تبقى اسماؤهم وهوياتهم سرية، ويُخاطبون بمفردات "السيد" او "االحجي"
أو "ابو فلان" وهو الحال الذي يشكل قاعدة منظومة الجماعات الاجرامية الموصوفة
بالمافيات إذ يعتبر التهريب المصدر الرئيسي لدولتها المالية، وبخاصة تهريب الاموال
مجهولة المصدر (غسيل) وتهريب المخدرات عبر الحدود.
والحال، لم يعد احدٌ (في البصرة على وجه الخصوص) يتحرج من تخصيص الكلام عن وجود
مافيات في مجالات التهريب وفي اسواق المال، وعقود المشاريع، والوزارات وخدمات الإعلام،
والقضاء، والامن، والعلاقات مع الدول، وليس ثمة مبالغة في القول حول وجود مافيات قررت
سياسات ومواقف، ورعت اعمال نهب وسطو منظم، كما كانت وراء وصول اشخاص الى مناصب مقررة،
بل ان الامر وصل حد الحديث عن مافيات تخصصت بالانتخابات، تحالفت وتخاشنت وتداخلت، وربما
تقاتلت فيما بينها، وثمة الكثير من الروايات في هذا المجال دُسّت طي عنوان "اتركونا..الموضوع
كبير".
بعد هذا، لم يعد محرجا الكلام عن مافيات تتحكم سرا في قوت الشعب وفي شبكة واسعة
من المصالح، وذلك جنبا الى جنب مافيات الارهاب والجريمة المنظمة والمليشيات، فقد سبق
أن اشار مسؤول كبير في وزارة المالية الى "مافيات عالمية تقوم بادخال العملة المزورة
الى العراق" ونقل عن عضو في هيئة النزاهة قوله "توجد مافيات لترويج الذهب
المغشوش في الاسواق" وقال احد اعضاء اللجنة الاقتصادية في مجلس النواب السابق
"ان هناك مافيات منظمة مهمتها عرقلة القوانين والتشريعات الاقتصادية التي تهم
البلد" وكشف تقرير اعلامي نُشر على نطاق واسع في الصحافة العراقية، قبل عام، عن
تحول "طريق الحرير" القادم من شرقي آسيا والمار عبر العراق إلى طريق للمتاجرة
بالمخدرات والسلاح والآثار العراقية وتهريب النفط المسروق من قبل مافيات تخصصت في هذه
الجرائم. ويأتي دور المنطق ليطلق سؤالا
عن نوع الحماية التي تتمتع بها هذه المافيات، وسأجيب بسرعة، وعلى مسؤوليتي، ان لاعبين
كبارا في ساحة السياسة وراء تلك الحماية.. والسبب يسبق العجب دائما.
استدراك:
"لم نسمع الشجر يصرخ تحت فؤوس الحطَّابين، بل سمعنا الحطَّابين يئنُّون
وهم يقطعون الشجر".
وديع سعادة – شاعر لبناني
المصدر/ صحيفة المدى
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق