رسالة إلى السفراء العرب وحكوماتهم فلسطين
الأهم والتهاني لدولة الكويت
رامي الشاعر – كاتب ومحلل سياسي
فلسطيني
تبنت الجمعية العامة لهيئة الأمم المتحدة
قرارا يدين الاستفتاءات التي جرت في جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك ومنطقتي خيرسون وزابوروجيه
للانضمام إلى روسيا.
وقد صوتت إلى جانب القرار 143 دولة بينما
امتنعت 35 دولة عن التصويت وعارضت القرار 5 دول هي روسيا وبيلاروس وكوريا الشمالية
ونيكاراغوا وسوريا، وكانت الجمعية العامة قد رفضت إجراء اقتراع سري للدول الأعضاء،
استنادا إلى المادة 87 من قواعد الجمعية العامة لإزالة شبهة الضغوط الواضحة والفاضحة
التي مارستها الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها على كثير من الدول، إلا أن رئيس
الجمعية رفض ذلك.
ومن بين الدول العربية، صوتت سوريا ضد القرار،
فيما امتنعت الجزائر والسودان، وكان من بين الممتنعين عن التصويت كذلك: الصين والهند
وجنوب إفريقيا وأرمينيا وكازاخستان وقرغيزستان وطاجيكستان وأوزبكستان.
وقد بادر بعض السفراء العرب بالاتصال بي،
وأشاروا إلى الأسباب التي دعتهم للتصويت على القرار، حيث كان من الواضح أنهم تلقوا
تعليمات من العواصم التي يمثلونها لإجراء لقاءات رسمية وغير رسمية في موسكو مع كل المؤسسات
الرسمية المعنية والشخصيات الاجتماعية المختلفة لشرح وتبرير هذا الموقف الذي اتخذوه
ضد الاستفتاء، وكانت غالبية السفراء يبررون بأن دولهم لا تستطيع أن تخالف قوانين وقرارات
الأمم المتحدة الخاصة باحترام سيادة البلدان ووحدة الأراضي وحدودها المثبتة شرعيا والمعترف بها دوليا، خاصة
أن إسرائيل تسعى لضم الأراضي الفلسطينية والجولان السورية والاعتراف بضم بعض الأراضي
الأوكرانية لروسيا سيشكل سابقة ستستغلها إسرائيل لإعطاء صفة الشرعية بشأن سياسة التوسع
التي تتبعها.
بل إن بعض السفراء ذهب إلى أبعد من ذلك،
وقالها صراحة أن وضعهم الراهن لا يسمح لهم بمخالفة “نصائح” و”رغبات” واشنطن ولا نقول
“تعليماتها ” أو “إملاءاتها” أو “أوامرها”، لأن مصالحهم مرتبطة بالولايات المتحدة الأمريكية
اقتصاديا وعسكريا، وهم محرجون وإنما ليس باليد حيلة كما يقولون.
لهذا وددت بدوري التعبير عن رأيي الشخصي،
وأوضح للجميع بأنه لم يكن وليس لدى روسيا أي نية لإحراج أي بلد من البلدان فيما يخص
السياسة التي تتبعها، وأن قضية الاعتراف بضم الأراضي التي جرى فيها الاستفتاء تمت وفقا
لمعايير وقواعد القانون الدولي وإعلان عام 1970 الذي يضمن السلم الأهلي، وتحديدا في
الدول التي تعاني فيها بعض المجموعات من تمييز عرقي أو عقائدي أو تمييز بسبب لون البشرة،
وحق تلك الشعوب في تقرير مصيرها، وهو ما استندت إليه روسيا عندما لجأت إلى الاستفتاء،
بعد أن ساعدت سكان هذه المناطق من السيطرة على كامل حدود مناطقهم، ولا يجوز في هذه
الحالة اعتبار أن الاستفتاء جرى في ظروف احتلال عسكري روسي لهذه المناطق، خاصة وأن
النظام في كييف شرعن التمييز في القوانين التي أقرها البرلمان، والتي تضمنت منع اللغة
الروسية، وإقرار عقوبات للحديث بها، بل وتصنيف المواطنين على أساس عرقي، وهو ما يتنافى
مع القانون الدولي وحقوق الإنسان. وحينما اعترضت أهالي تلك المناطق، مارس النظام في
كييف ضدها القمع والعنف والقتل خارج إطار القانون، وشن ضدها عمليتين عسكريتين، وتعرضت
تلك المناطق للقصف اليومي على مدار 8 سنوات راح ضحيتها الآلاف من المدنيين الأبرياء.
إلا أن السادة السفراء فيما يبدو قد نسوا
ذلك، كما نسوا أن روسيا حاولت طوال تلك السنوات التوصل لحل سلمي لهذه القضايا دون جدوى.
وأتمنى من السياسيين الذين يعتبرون أن الاستفتاء جرى تحت ظروف الاحتلال العسكري أن
يبدوا رأيهم بخصوص رأي الشعب الفلسطيني في غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية، والذي
يعيش تحت الاحتلال الإسرائيلي، ويخوض انتفاضة جديدة. فأين هي قوانين الأمم المتحدة
التي يحاول البعض الاستناد إليها لتبرير عدم الاعتراف باستفتاء المناطق الأربعة التي
انضمت فعليا إلى روسيا، وأين كانت قوانين الأمم المتحدة في غزو العراق ويوغوسلافيا
وليبيا وأفغانستان وغيرها من المناطق التي اقتحمتها القوات الأمريكية دون أدنى اعتبار
للقانون الدولي أو للأمم المتحدة.
أرجو أيها السادة السفراء، وحكوماتكم أن
تركزوا جهودكم على اعتراف المجتمع الدولي والأمم المتحدة بنتيجة الاستفتاء اليومي الذي
يثبت نتيجته الشعب الفلسطيني بمواجهته الاحتلال الإسرائيلي الغاشم لأراضيه، وأطرح سؤالاً
بسيطاً: ما الذي يمنع الأمم المتحدة اليوم من الاعتراف بعضوية دولة فلسطين الكاملة
على أقل تقدير، وهي مثبتة الحدود الشرعية بقرارات الأمم المتحدة، وعلى رأسها قرار التقسيم،
وهو قرار قائم تحاول واشنطن وإسرائيل تغييره عن طريق صفقة القرن.
أما بخصوص الجولان، فقد غيرت إٍسرائيل ديموغرافية
المكان، وأخلته من سكانه الأصليين الذين أصبحوا الآن أقلية. وفي هذه الحالة فإن الأمر
هنا جد مختلف، ومخالف بالفعل لقوانين الأمم المتحدة.
لمن لم يستيقظ بعد، فقد تغير العالم بعد
العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا، وتتجرع الدول التي تعودت على النهب والسرقة
بالإكراه نفس الكأس الذي سقته لنا في الشرق الأوسط لعقود مضت. اليوم تفتح روسيا أبواب
عصر جديد، تنكسر فيه الهيمنة الأمريكية.
لقد أنهى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين
في العاصمة الكازاخستانية أستانا القمم الثلاث التي حضرها على مدار الأيام القليلة
الماضية.
أولى القمم كانت لمؤتمر التفاعل وإجراءات
بناء الثقة مع آسيا، الذي وجهت كازاخستان إلى تحويله إلى منظمة دولية، والثانية هي
اجتماع رؤساء رابطة الدول المستقلة، والثالثة هي قمة “روسيا-آسيا الوسطى”، وعلى هامش
القمم الثلاث التقى الرئيس بعدد من زعماء العالم، لعل أبرزهم الرئيس التركي، رجب طيب
أردوغان، وأمير دولة قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، حيث تطرقت المباحثات بطبيعة الأمر
للأزمة الأوكرانية، في ضوء المتغيرات الأخيرة، ومبادرات الوساطة التي تعرضها تركيا
وقطر والإمارات والمملكة العربية السعودية.
وكان رئيس كازاخستان، قاسم جومارت توكاييف،
قد صرح بأن المشاركين في قمة مؤتمر التفاعل وإجراءات بناء الثقة في آسيا CICA
قد اعتمدوا بيانا بشأن تحول المؤتمر إلى منظمة دولية، وهو ما يصب
في توجه صياغة النظام العالمي الجديد، تعزيزا لتوجه استخدام العملات الوطنية في التبادل
التجاري. ومع انطلاق الفعالية، تم الإعلان عن انضمام دولة الكويت بشكل رسمي إلى عضوية
المؤتمر، وقبل انضمام الكويت كان المنتدى يضم 27 دولة، تغطي حوالي 90% من أراضي وسكان
آسيا. ونحن نهنئ الكويت بذلك، ونتمنى لها الازدهار والتنمية والاندماج في هذا الهيكل
الذي يتحول اليوم إلى منظمة دولية.
كذلك تسهم صيغة “روسيا-آسيا الوسطى” في
الدفع نحو صياغة النظام العالمي الجديد، وتحديدا في تعزيز التعاون بين روسيا وهذه المنطقة
من خلال إعادة إنشاء وتفعيل المؤسسات والهياكل التي كانت تعمل بكفاءة قبل تفكك الاتحاد
السوفيتي، بما في ذلك في قطاعات التكنولوجيا والبنوك، وهو ما سوف يساعد بكل تأكيد في
التحول إلى العملات الوطنية، وتبادل المعلومات البنكية ومناقشة آفاق التعاون الاقتصادي
فيما يخص المناطق الحرة والجمارك ونقل البضائع، حيث عبرت دول تلك المناطق عن حاجتها
لمثل هذه الصيغة، حتى على الرغم من وجود بعض التوترات على الحدود بين الدول، وعلى الرغم
من اختلاف الدول بشأن عدد من القضايا الدولية، إلا أن المنافع المتبادلة بين الشركاء
لن تجعل تلك المواقف تنعكس على عمق ونوعية ونطاق العلاقات بين دول تلك المنظمات.
وكانت منظمة شنغهاي للتعاون قد عقدت قمة
أخرى في مدينة سمرقند بأوزبكستان منتصف الشهر الماضي، أعلنت فيها عن انضمام خمس دول
عربية كـ “شريك حوار” هي مصر والإمارات والكويت والبحرين وقطر، وهو ما يعكس توسيعا
لقاعدة المصالح الإقليمية والعالمية لهذه الدول، ويساعدها بدرجة ما على مواجهة الضغوط
السياسية الراهنة.
كذلك تتوجه منظمة “شنغهاي”، والتي تعد الآن
من أكبر المنظمات الإقليمية في العالم، وتضم نصف سكان الأرض، وحجم اقتصادات يبلغ حوالي
20 تريليون دولار، وما يقرب من 3/5 كتلة اليابسة الأوروبية الآسيوية، بخطى ثابتة نحو
العالم الجديد الذي تحرر من براثن الهيمنة الأمريكية، ولم يعد أحادي القطب، وهو ما
يجعلني أوجه نداء للجميع بأن يستيقظ العالم، ويبدأ في بناء مؤسسات العالم متعدد القطبية،
التي ستعزز من دور هيئة الأمم المتحدة، واحترام كل ما ورد في ميثاقها من بنود وقوانين،
حتى يتم الامتثال لكل ما يصدر عنها بما في ذلك ما يصدر عن الجمعية العامة، التي يجب
أن تتحرر من أوهام الغطرسة الأمريكية التي تملي على كثير من الدول كيفية التصرف لخدمة
المصالح الأمريكية والغربية دون الالتفات إلى مصالح الشعوب على اختلافها، ومقتضيات
الضرورة والعقل والمنطق.
بهذا المضمون نجد أن روسيا والصين والهند
يروجون لهذا النظام العالمي الجديد متعدد المراكز والأقطاب، بهدف تحدي النفوذ الغربي،
ولإنشاء بديل للمنظمات المتمركزة حول الغرب، والتي أصبحت عمليا أفرع إقليمية لإدارة
البيت الأبيض و”البنتاغون”، تتلقى التعليمات من واشنطن، وتنفذها بكل انصياع وخضوع،
حتى ولو كان المتضرر مصالح شعوب تلك الدول.
وعودة إلى موضوع التصويت الأخير في الجمعية
العامة لهيئة الأمم المتحدة، أتمنى أن تتخذ الدول العربية موقفاً موحداً يؤكد للعالم
أجمع اهتمامها باعتراف الأمم المتحدة بالعضوية الكاملة لدولة فلسطين، وأما ما دون ذلك
فالحياد هو الطريق النموذجي، بعيدا عن الاحتشاد وراء هذا الطرف أو ذاك.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق