السبت، 12 أغسطس 2023

الرئيسية بالمقهى وخمسة إسرائيليين!

بالمقهى وخمسة إسرائيليين!

بالمقهى وخمسة إسرائيليين!

اللواء عبدالله غانم القحطاني/ خبير عسكري ومحلل سياسي

طقس فيينا لا يختلف كثيراً عن الطائف، مع إختلاف الغطاء النباتي كلياً، الثانية مضيافة وكريمة وترحب يمن أتوها وتسعد بهم، بعكس فيينا الكارهة لزوارها خاصة العرب الذين ينفقون بها أضعاف ما يدفعونه بصلالة وأبهى والباحة والطائف. وليس أمامك إذا سئمت عبوس وتجهم من نزلت بديارهم ما هو أفضل من ممارسة الرياضة، في رحلة عمل قصيرة بالنمسا، أنطلقت من فناء قصر الشونبرون إلى شارع كارنتنر مشياً، ثم توقفت لتناول أي قهوة، بحثت عن مقعد جلوس شاغر بزاوية المقهى البعيدة فلم أجد، شباب يجلسون بوسط المكان على لوح مستطيل، خمسة وسادسهم كرسي بلا زبون، سألتهم هل بإمكاني إستخدامه؟، بكل سرور هو لك It's for you قال أحدهم، شكرته بمبالغة العرب، وكالبقية ركزّت على جهاز الجوال الأهم من القهوة. الشباب أصواتهم متداخلة على طريقة كثير من العرب والفرنسيين، ظننت أنهم من شرق أوروبا؛ غير مهم، هي دقائق وسنغادر المقهى ليأتي غيرنا ويعاني ضجيج أجهزة القهوة بنفس إزعاج فروع المقهى المنتشرة بالرياض.

أحد هؤلاء الشباب سألني؛ أنت من أي دولة، قلت له: هل لك أن تتوقع ذلك؟، أنصتوا جميعاً للحوار الثنائي ثم أدلى كل منهم بدلوه، أنت من، تركيا، العراق، اليمن، الإمارات، لبنان، وأجيبهم بالنفي. صمتوا محتارين، لكن أحدهم وكان الأقل كلاماً وعلمت منهم أنه أصغرهم عمراً وسيلتحق بالخدمة العسكرية قريباً "الأيسر بالصورة"، قال أنت من السعودية ونطقهاFROM KSA ، قلت له برافوا، تبدو ذكياً، ومهماً في المستقبل.

بعد هذا الحديث لدقائق، كان منطقياً أن أسألهم من أي بلاد أنتم، قالوا جميعاً من إسرائيل. تبدلت الصورة الذهنية من شرق أوروبا التي توقعت انهم منها إلى المشرق العربي وقضية فلسطين والإرهاب والمخابرات والحروب وتصرفات السيئين: بنيامين نتنياهو واسماعيل هنية وقاسم سليماني، بن غفير، حسن نصرالله. أرتبطت الوجوه أمامي بسلسلة العنف والتاريخ المعقد، بجيش الإحتلال وملابس الخاكي، سطح ماء قهوتي يعكس أمامي صور البنادق والمسدسات والقنابل الدخانية وخوذات الجنود وعربات الإعتقال وعليها القناصة وحول دواليبها صراخ الأطفال يُجرّون ويُسْحلون.

لحظات عصف كئيبة بالمقهى الأسوأ. قلت لهم، إنتبهوا، أنتم من الشباب الحديث، والمستقبل سيكون مختلفاً عن السابق، وعن ماتعايشونه اليوم، الحرب والقوة لن تجلب لكم الأمن مع الإحتلال، وعليكم التخلص من الكراهية.... عبثاً حاولت إكمال فكرتي.. لكن قاطعني أحدهم قائلاً؛ لا أعتقد ذلك، نحن ندافع عن بلادنا ولا أتوقع أن....، هذا صعب جداً، ثم تابع.. نحن قادرين ونستطيع أن نُغير....، قاطعه الآخر وقال بسطحية الجندي المبتدئ أو الضابط حديث التخرج، أنظر، أنظر، جيشنا إسمه جيش الدفاع ونحن ندافع فقط! تناسى أن قوات داعش والحوثي وحزب الله والهاجاناه وحشد العراق تدعي الشيء نفسه.

موقفاً مصادفاً سيئاً، ماسمعته ورأيته خالف توقعاتي، هؤلاء الشباب من مواليد المنطقة وسيقودون #إسرائيل قريباً، ويبدو أن آباهم وأمهاتهم من مواليد #فلسطين وإسرائيل، ومع ذلك هؤلاء مشحونين فكرياً وعقائدياً ومعبئين بهيمنة القوة العسكرية وهو نفس فكر أجدادهم المهاجرين المتطرفين أجيال الجنرال آريل شارون وموشي دايان، وإسحق شامير.

هؤلاء الجنود "ضباط"، وجيل جديد، صغار بالعمر وبزمن مختلف، لا يحملون طبائع الأوربيين ولا شيء من ثقافة محيطهم العربي ولا شركاءهم بالمدن العربية داخل اسرائيل، فقط يحملون ثقافة مجتمع منغلق شعاره الحرب والتطرف وتفعيل القوة العسكرية لجلب الأمن، هذا ما زرعته في نفوسهم أحزاب إسرائيل التي تعوم في بحيرة بلا شطآن. عباراتهم يقين مطلق بأنهم أصحاب الحق والأرض والقوة، ثقتهم عالية بالفوز في كل المعارك القادمة! فكم بقي؟ حينها تذكرت أهمية "التدريب العالي، ودور التعبئة الثقافية والقومية والوطنية والعقائدية بإسرائيل وإيران"، بعكس أغلب الدول العربية التي لا تُضَمّن وتربط عقائد التدريب والتعليم المهني العام والعسكري بعقائد وتاريخ المجتمع لغرض تعزيز سياسات الدولة العليا والدنيا ضد الخصوم والأعداء.

هذا الموقف المضحك، أكد لي على ألأقل، أن إسرائيل كثورة إيران، لا تستطيع العيش بلا صراع مع من حولها، والبديل سيكون صراع داخلي ينهي الكيان السياسي القائم، فارس ويهود يلزمهما أعداء دائمين، حتى وإن صالحوهم العرب فسيظلون بهاتين الأيدولوجيتين أعداء وغرباء ووحوش في كتب الأدب وعقائد الجيوش وفكر القادة.

الموقف الصدفة أقنعني أيضاً بأن العلاقات الطبيعية بين شعوب الدول العربية وإسرائيل بعيدة، بسبب ما يكنه الانسان الإسرائيلي المدني المسلح والعسكري بالجيش من عداوات بنيت على معتقد متطرف وتزوير للتاريخ بشكل مشابه للفكر الشيعي الإثني عشري المجوسي المختلق الذي يزور التاريخ والحقائق كرهاً بالعرب وتاريخهم وهو نفس ما تفعله إسرائيل.

الغرب سئم خصوصية علاقاته بإسرائيل وتكاليفها الباهضة، لذا يحاولون تخفيف الأعباء بمصالحة إسرائيل مع العرب وخاصة السعودية، وهذا جيد إذا كان سيحل النزاع الرئيس على اساس الخطة السعودية للسلام، وعلى أن تتوقف إيران وإسرائيل وأوروبا عن خلق بؤر الإرهاب والتطرف ضد الدول العربية. هذا جيد.

إسرائيل لمصلحتها أولاً مطالبة بتصحيح فكرها القديم وتحديث مفاهيمها السياسية والعسكرية المتطرفة. السعوديين باعتقادي لن يبيعوا بأي ثمن ولن تنطلي عليهم حِيل وأساليب التذاكي وبهرجة الوعود، ويفترض أن يدرك ذلك قادة إسرائيل وثورة إيران كما أدركته حكومات تركيا والغرب.

أخيراً لا أعلم لماذا غابت السعودية عن أذهان الخمسة إسرائيليين بالمقهى بينما سبقتها بأذهانهم تركيا والعراق ولبنان واليمن!؟ وليس لدي مشكلة مع إسرائيل فهي واقع وكيان عسكري بشعب مسلح، ومحمية بمجلس الأمن وجميع قوات دول الناتو، لكن لدي مشكلة مع عدم إعادة حقوق الفلسطينيين، ومع قتل أطفالهم وتهديد الأمن العربي وصناعة مسببات الإرهاب بالمنطقة كما تفعل ثورة إيران. ولكن أيضاً ما دخلي أنا بكل هذا!؟، إنه المقهى الكئيب والصدمة من فكر قادة إسرائيل القادمين وسوء تقديرهم للمستقبل. مسألة وقت وسيتغيرون بالضرورة وللضرورة.

المصدر/ صفحة الكاتب على منصة إكس "تويتر" سابقا.

جميع ما ينشر في هذه المدونة للكاتب والصحافي نوري حمدان وهي متاح لجميع المؤسسات الاعلامية في استخدام. يتم التشغيل بواسطة Blogger.