الجمعة، 11 أغسطس 2023

الرئيسية ماذا يستهدف التغيير المنشود؟

ماذا يستهدف التغيير المنشود؟

ماذا يستهدف التغيير المنشود؟

 

فارس الخوري

كُتب الكثير عن التغيير وعن إنهاء تسلط الفئات المهيمنة على مقاليد الامور في البلد وعن إنهاء المحاصصة والطائفية والفساد، كل ذلك بنصوص منمقة لا غبار عليها، غير ان كل ما كُتب وقيل ويقال ما زال في فضاء العموميات ولم نر أي منهج محدد ملموس. لنتساءل عن ماهية التغيير وكيف يكون وعن امكاناته حقا لا قولا.

هل يتضمن التغيير المنشود إنهاء العُرف القائم، غير الدستوري، بحصر تولي كوردي رئاسة الجمهورية وشيعي رئاسة مجلس الوزراء وسني رئاسة مجلس النواب؟ وهو عُرفٌ تزعم الاطراف المهيمنة، من دون دليل، انه يمثل الشراكة بين "المكونات" في حين هو شراكة بين فئات تدعي احتكار تمثيل تلك المكونات المفترضة، وأقرب انموذج هو النظام الطائفي في لبنان الذي بات واضحا مدى عجزه وترديه.

هل سينهي التغيير المنشود القاعدة التي سنها الاحتلال من أن العراق مكون من شيعة وسنة وكورد، اي إنهاء فكرة المكونات برمتها واعتماد مبدأ المواطنة فقط لا الطائفية والقومية في تقصي حقوق العراقيات والعراقيين وواجباتهم تجاه وطنهم؟ وهل سينهي التغيير نظام "التوافق بين المكونات" الذي ما انفكت أطرافه تؤدي فيه دور السلطة والمعارضة في آن واحد.

هل سينهي التغيير توزيع المناصب في أجهزة الدولة على أساس "توازن المكونات"؟ هل سيدفع التغيير إلى اعتماد الكفاءة في التعيين بصرف النظر عن الدين والمذهب والقومية واللون والجنس وغير ذلك مما ذكره الاعلان العالمي لحقوق الانسان وما ورد في الدستور نفسه من أن العراقيين متساوون أمام القانون، ما هي الآلية التي ستعتمد لتحقيق هذا الهدف، بعدما توزعت "الحصص" وثُبتت لا في مفاصل أجهزة الدولة فحسب بل في أذهان الكثيرين.

هل سينهي التغيير "حقوق المكونات واستحقاقاتها" لصالح حقوق قوى سياسية حقيقية، لا طائفية، تمتلك مناهج واضحة معلنة محددة قابلة للبحث والنقد والتصويب ووفق نظام انتخابي عادل منصف يقره الشعب ولا يخضع لأهواء السياسيين تعديلا وتبديلا كلما تهددت مصالحهم.

الا يستدعي التغيير المنشود إعادة النظر بالدستور؟ كم من مرة جرى الحديث عن تعديل الدستور وتشكلت لجان لبحث الأمر من دون طائل. كم من مرة شُخصت ثغرات الدستور وتناقضات مواده فضلا عن الاخفاق المتواصل في تنفيذ بعض بنوده... ما النهج الذي ستسير عليه القوى الداعية إلى التغيير في تعديل الدستور، وما ملامح هذا التغيير، بدءًا بالديباجة الطويلة إلى سائر الفصول.

هيمنة الطائفية ودور القوى الدينية على شؤون البلاد والعباد أمر يستدعي المعالجة إذا أريد لهذا التغيير المنشود ان يحقق غاياته، لكن ما السبيل إلى ذلك والبلاد تنحدر شيئا فشيئا إلى دولة دينية الطابع؟ معظم العلل، السياسية والبنيوية والاقتصادية والاجتماعية والتربوية، مشخصة ولا طائل من إعادة توصيفها هنا، وكثيرا ما سمعنا ان التغيير المقبل، لا ريب، سيجد الحلول الناجعة لها وينهض بالبلاد من كبوتها، لكن كيف سيتحقق ذلك في ظل حقائق لا ينكرها القاصي والداني، أبرزها هيمنة إقليمية ودولية على شؤون البلاد سواء بالتدخل المباشر في شؤونه او بتسخير وكلاء ومريدين وأعوان يملكون المال والسلاح والسطوة، رغم كل الادعاءات بسيادة البلد واستقلاله.

من دون اجابات واضحة لن يكون للتغيير من فائدة إذا كان يستهدف إبعاد الفئات القابضة على خناق الشعب بسبب فسادها وعجزها ومن ثم استبدالها بفئات أخرى وفق نفس النهج القائم. ثبت المحتلون دور الاقتصاد الريعي في البلاد، وهنا لا بد ان يؤدي التغيير المنشود إلى تغيير جوهري في الأداء الاقتصادي، فهل سيؤدي إلى معالجة حاجة الناس إلى العمل المجدي والمجزي، لا سيما الشباب منهم؟ بدل التضخم والترهل والبطالة المقنعة في القطاع العام، ومن ثم تحريك عجلة الاقتصاد الحقيقي.

لكن كيف ذلك والبلد مرتهن لقوى خارجية؟ كيف الانفلات من هذه الهيمنة؟ سمعنا ان التغيير، لا ريب، سيقضي على الفساد. لكن حتى القوى القابضة على مقدرات البلاد ترفع عقيرتها بمكافحة الفساد، والفساد باق ويتمدد. اليس الفساد ظاهرة من ظواهر طبيعة النظام القائم، إذا جازت تسميته بنظام؟ هل سيؤدي التغيير إلى تلاشي أسباب الفساد من ناحية وإلى إنفاذ القانون بحق الجميع على قدم المساواة من ناحية ثانية بحيث لا يفلت كبار الفاسدين ويقع صغارهم؟ كيف يتحقق ذلك والحديث يشمل قوى وفئات امتدت جذور فسادها وترابطت داخليا وخارجيا على مدى عقدين من الزمن... ما العمل؟

وماذا عن قوى الأمن؟ تكاد تجمع جميع الاطراف، الحاكمة والداعية إلى التغيير على السواء، على حصر السلاح بيد الدولة، وان أجهزة الأمن والشرطة والجيش كلها لا بد ان تخضع لسلطة الدولة. لكن من الواضح ان لكل فئة فصائلها المسلحة ولا سيطرة فعلية للدولة عليها، أضف إلى ذلك انتشار السلاح بأيدي الناس والعشائر، فهل سيؤدي التغيير إلى إنهاء هذه الحالة؟ وما قدرة الدولة بفعل التغيير المنشود على بسط الامن والنظام وحل الفصائل وجمع السلاح؟ لا تشكيك هنا في صدق الدعوة إلى التغيير وجديتها واخلاص حاملي لوائها، لكن الاسئلة المطروحة تتناول ماهية النهج المحدد لتحقيق هذا التغيير بعدما رعى الاحتلال كل المثالب في المجتمع وبذر المزيد منها، فما الذي يقنع الجمهور بان التغيير المنشود مقبل حقا لا قولا؟

المصدر/ جريدة طريق الشعب

جميع ما ينشر في هذه المدونة للكاتب والصحافي نوري حمدان وهي متاح لجميع المؤسسات الاعلامية في استخدام. يتم التشغيل بواسطة Blogger.