الاثنين، 23 سبتمبر 2019

الرئيسية العراق يعود مجالساً الكبار

العراق يعود مجالساً الكبار

منذ سنوات طويلة خلت، وتحديدا في أعقاب غزوه للكويت، ظل العراق يقف في خانة المترقبين بل المعاقبين إن صح القول، فقد توالت القرارات الدولية تترا في معاقبته حصرا واستخداما للقوة ونزعا للأسلحة وتفتيشا ومنعامن مجالسة الكبار في المحافل الأممية، حتى راح الكبير والصغير يستأسد عليه، وينتصر لنفسه عن سنوات خلت واعتداءات وتجاوزات مضت، في زمن النظم الواحدية الاستبدادية، وهي حقب طالت سنواتها وراح الحساب يجمع في مواجهة العراق.


وبعد أن من الله على العراق برحيل الديكتاتور وأركان حكمه، ظل العالم ينظر إلى العراق بعين الريبة، لا يعلم ما تحمل حقبة القابضين الجدد على السلطة، والمؤسف أن العالم دون تمييز بين شقيق وصديق وقريب وبعيد توجس خيفة من القادم الجديد، فراح يناصبه العداء مقاطعة وعزلا، في محاولة لتصفية الإرث السابق والذي بالقطع لا يتحمل وزره، فهو ضحية الراحل وأحد نتائج سياساته الظالمة، من هنا تاخر نتاجه كثيرا، وظل يراوح لفترة طويلة في مكانه في محاولة لتأكيد توجهاته التصالحية السلمية، فراح يطرق الأبواب ويعرض ما يحمل من افكار معتدلة، قائمة على مصالحة النفس قبل الغيرة، العدوان ليس في أبجدياته، والتعالي يغيب عن سلوكياته، الوسطية منهجه، مسالمة الجميع فيه أمن العراق واستقراره، لكن هذه التوجهات ظلت حبيسة الادبيات بلحاظ ما تعرض له العراق من استهداف طائفي قومي، وارهاب هو الأقسى في تاريخ البشرية، اذ راح الإرهاب يستهدف الفكر والمبدأ والإنسان، بل اتخذ من العراق منطلقا لتحركاته وهو ما زاد من عزلت العراق وحكامه.

وبعد ان من الله على العراق بنعمة الانتصار على الإرهاب حيث قاتله نيابة عن العالم، وقدر لحكامه الانفتاح على الصديق والشقيق في العالم والإقليم  لعرض أفكاره وتوجهاته، بدأت أولى مراحل الانطلاق صوب العالمية وأفق العراق الجديد، وتعززت هذه العقيدة بعد الدور الذي لعبه العراق في التوسط بين طرفي الأزمة التي لو قدر لها ان تحتدم لأتت اثارها على الإقليم ولن يكون العراق بعيد عن اثارها المدمرة، بل ربما سيكون العراق الخاسر الأكبر فيها مع دول الإقليم، من هنا حمل العراق مسؤولية التخفيف من حده النزاع بين الطرفين، بعرض حقيقة الموقف ونقل وجهة نظر كل طرف للآخر، وتبيان ما سيؤل اليه الوضع لو وقع النزاع المسلح لا سامح الله، وتحولت بغداد إلى ورشة كبيرة للتقريب وردم الهوة بين أطراف النزاع، فعادت ذاكرة العالم إلى دور العراق السلمي المحوري أيام العهد الملكي حينما كان المفاوض العراقي يصول ويجول ويطوف في ساحة الكبار حاملا قضايا الأمة، فرسم في ذاكرة الجميع دور العراق المحوري في العالم والمنطقة.

واليوم يعود العراق إلى لعب الدور ذاته فقد حضر إلى المنتظم الدولي وهو يحمل الرؤى والمقترحات والحلول لنزع فتيل الأزمة، عالما بحجم الدمار الذي سيخلفه الصدام المسلح لا سامح الله لو قدر له ان يقع، محذرا من اثاره الوخيمة على العالم والإقليم والعراق، فأي صدام مسلح سوف لن تتحدد اثاره بنطاق مرسوم، لكن نيرانه ستمتد لتطال عديد الدول، وما يزيد الأمر خطورة ان حواضن الإرهاب تقف اليوم مترقبة لوقوع الحدث كي تعيد كرتها احتلالا وعدوانا وتدميرا وتهجيرا وقتلا وسبي، بل سيكون عدوانها اكثرا شراسة انتقاما لهزيمتها في العراق والمنطقة.

وانطلاقا من هذا الفهم راحت الرئاسة العراقية تحمل هم الأمن والاستقرار بالمنطقة لتلتقي كبار قادة العالم عارضة الصورة الحقيقة لما سيكون عليه حال المنطقة والعراق لو قدر للصدام ان يقع، واللافت في العودة العراقية ان كبار العالم راحوا يحرصون على الاستماع لوجهة النظر العراقية، حيث واقعية النظرة والحقائق التي لا يخالطها زيف، ملتمسين حرص العراق على التوصل للتسوية السلمية للازمة، وبالقطع ان الثقة التي نالها العراق وعودته القوية المحمودة لم يكن ليقدر لها هذا النجاح لو الصدقية التي لمسها قادة العالم، والثقة التي منحت للدبلوماسية العراقية بعد غياب وقطيعة امتدت لسنوات طويلة خلت، ويقينا ان ملف الاقتصاد لن يكون بعيدا عن الخطاب العراقي، حيث يعاني العالم من أزمة وركود بل تهديد بانتكاسة قادمة، وبالقطع ان الخطاب سيكون خط شروعه العراق والدعوة للتوجه للاستثمار فيه بعد ان انتهت رئاستي الجمهورية والوزراء من إعداد قانون مجلس الإعمار الذي سيحدث نقلة نوعية في عالمي الإعمار والأعمال في العراق، حيث ينهض هذا القانون علىى فكرة المشاريع المركزية الستراتيجية الكبرى، مقترنا بتذليل الروتين الإداري مختزلا الحلقات الزائدة التي اخرت البناء والعمران، فضلا عن فرص العمل التي سيوفرها لآلاف الخريجين العاطلين عن العمل والذين اضحوا تهديدا قادم للعراق لو لم تقدم لازمتهم الحلول، فقوام الأزمات السياسية في العالم وعدم الاستقرار السياسي إنما هو العالم الاقتصادي وارتفاع معدلات البطالة ونسب الفقر، من هنا وجد العراق ان لا أمن ولا استقرار سياسي دون أمن اقتصادي، وبالقطع ان ما حمل العراق من افكار جديدة لاقت الاهتمام الكبير في المنتدي العالمي الأكبر، وراح الوفد العراق محل اهتمام الجميع، ويقينا ان هذا النجاح الأممي يستوجب بالضرورة دعم ومؤازرة داخلية، فلا نجاح دولي دون استقرار وانسجام داخلي، من هنا كان لازما على كافة الشركاء في العمل السياسية موالاة ومعارضة دعم الموقف السياسي الرسمي ومؤازرته وتصحيح مساراته لو وقع الخطا والزلل فأهل مكة اعرف بشعابها، ويقينا ان العالم لن يحرص على العراق ومصالحه الستراتيجية مثل ابنائه وقادته، وعلى الجميع اليوم الانتفاض للمجد الغائب منذ عقود، فتاريخ العراق سلسلة من الأمجاد والانتكاسات لكن الأهم الانتفاض على الواقع الموروث المتراجع ونفض غبار الماضي والعودة إلى صفوف الكبار من الدول والقادة وهذا هو قدر العراق شاء من شاء وابى من ابى.

بقلم مستشار رئيس الجمهورية والوزير السابق علي يوسف الشكري

جميع ما ينشر في هذه المدونة للكاتب والصحافي نوري حمدان وهي متاح لجميع المؤسسات الاعلامية في استخدام. يتم التشغيل بواسطة Blogger.