الأحد، 4 أغسطس 2019

الرئيسية مدى مشروعية منع زعزعة الاستقرارفي العراق... بقلم القاضي هادي عزيز علي

مدى مشروعية منع زعزعة الاستقرارفي العراق... بقلم القاضي هادي عزيز علي

تمتلئ مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام بموضوع مقترح قانون يعتقد ان الولايات المتحدة الامريكية تنوي تشريعه ومضمونه التصدي لمنع زعزعة الاستقرار في العراق.

القاضي هادي عزيز علي

وتباينت الاراء المتصدية لهذا الموضوع صادرة عن محللين أو منسوب اليهم الاختصاص او من مسؤولين لا زالوا قيد الخدمة أو من نظائرهم ادركهم التقاعد وسواهم من الشخصيات الاخرى. وتلخصت طروحاتهم بمواضيع عدة منها: إن عدم تمرير المشروع يعود للخلاف الجمهوري والديمقراطي، أو من يقول بأنه وصاية جديدة وهذا القول تعوزه الدقة لمخالفته لأحكام الوصاية الواردة في الفصل الثالث عشر من ميثاق الامم المتحدة، أو أن المشروع يطلق استطالات يد ترامب ووزير خارجيته للعبث في شؤون العراق، أو من يصرح إن الموضوع هو امتداد للاحتكاك الامريكي العراقي في الساحة العراقية، فضلا عن القائل إن الأمر يمس سيادة العراق من دون المرور على موضوع السيادة في زمن العولمة القانونية.

هذا كله يصدر من الذوات المشار اليهم ومن دون إشارة الى أي واحد منهم يعلمنا عن إطلاعه على نص المشروع المرقم (4591HR) خاصة وإن ترجمته الى العربية غائبة. هذا المشروع – والقول لمواقع التواصل الاجتماعي - صوت عليه مجلس النواب الامريكي ورفعه الى مجلس الشيوخ الذي لم يصوت عليه لأسباب تخص المجلس المذكور وأنقضاء الموسم التشريعي للدورة التشريعية 2017 – 2018. وبموجب هذه الوقائع فان المشروع لم يحز الوصف القانوني للقانون مما يفقده صفة الالزام التي تتمتع بها القوانين.

ويقال أيضاً إن هناك مسودة قانون معروضة على مجلس النواب الامريكي ذات مضمون قريب من مضامين المسودة السابقة غير المصوت عليها من قبل مجلس الشيوخ معروضة حالياً على لجنة الشؤون الخارجية مجلس النواب الامريكي وتحمل الرقم (571 HR)، وهذه المسودة لم يبلغنا أحد بالاطلاع على نصها مع غياب ترجمتها للعربية أيضاً. وهي أي المسودة لم تعرض على مجلس النواب بعد، لكونها عبارة عن أفكار في لجنة الشؤون الخارجية، ولكي تكون هكذا مسودة قانوناً ملزماً، يجب أولاً التصويت لصالحها من قبل مجلس النواب، والتصويت أيضاً لصالحها من قبل الجناح الأخر في الكونغرس (مجلس الشيوخ) ومن ثم يصادق عليها رئيس الولايات المتحدة الامريكية. هذا كله والمسودة المذكورة لم تطرح في جدول أعمال الكونغرس الامريكي للدورة التشريعية 2019 – 2020 لحد الان.

هذا كله عبارة عن معلومات تناولتها مواقع التواصل الاجتماعي. وليس للمعلومات تلك أثر في الصحافة الغربية أو الصحافة الامريكية على وجه الخصوص، فضلاً عن أن الجهات الرسمية المعنية في الدوائر الامريكية لم تطرحه أو تتطرق اليه. لذا فأن موضوعاً بهذا الحجم من الأهمية وماسا بالشأن العراقي يتطلب من كل شخص راغب في الادلاء بدلوه فيه أن يكون ماسكاً بنصه أولاً والوقوف على الجهة المعنية ببثه ثانياً وذلك من باب التوثيق الشخصي على الأقل لكى يكون الرأي الصادر بصدده مالكاً لرصانته ومرجعيته.

هذا من جانب أما من جانب آخر، فلنفترض – ابتداء – أن مشروعاً كهذا موجود وأن الولايات المتحدة الامريكية تصر على تشريعه. فالمطلوب أولاً الاطلاع على أحكامه وما تتضمنه فقراته ومن ثم تلمس إرادة مشرعه وما انصرفت اليه. أما ثانياً فيصار الى الوقوف عن مدى مشروعيته من الوجهة الدستورية والاتفاقيات الدولية والنظام القانوني الوطني، فاذا كانت أحكامه متناقضة مع جميع ما تقدم وماسة بحقوق الشعب العراقي وحريات مواطنية، فيلزم والحالة هذه التصدي له ومنع تطبيقه على امتداد الاختصاص الجغرافي العراقي بحدوده الدولية وبكافة الوسائل المتاحة للعراقيين، وهذا ما تكفله أحكام ميثاق الأمم المتحدة وشرعة القانون الدولي.

ولكن ما الحكم إذا كان هناك ثمة مسوغ قانوني وجدته الولايات المتحدة الامريكية لتشريعه بعد الاتكاء على أحكام اتفاقية الاطار الاستراتيجي لعلاقة الصداقة والتعاون بين جمهورية العراق والولايات المتحدة الامريكية، المبرمة بين الطرفين. تلك الاتفاقية التي تم التصويت عليها في مجلس النواب العراقي وأصدرها مجلس الرئاسة بالاجماع بتاريخ 4 \ 12 \ 2008 وصدرت بالقانون رقم 52 لسنة 2008 ونشرت في جريدة الوقائع العراقية بالعدد 4102 في 24 \ 12 \ 2008. وان نصوصها ملزمة للجانبين العراقي والامريكي. فأذا وجدت الولايات المتحدة الامريكية أن هناك أحداثاً وقعت وتهدد استقرار العراق وأمنه وتندرج أوصافها ضمن احكام القسم الثالث من الاتفاقية المتعلق بالتعاون الدفاعي والامني وان التزاماتها بموجب الاتفاقية يلزمها القيام بفعل يمنع زعزعة الاستقرار في العراق. إذ أن من واجبها تعزيز الأمن والاستقرار في العراق، حسبما يفصح عن ذلك النص الوارد في هذا القسم من الاتفاقية. أو إنها وجدت أن الاحداث والوقائع التي يشهدها العراق تعرقل جهود العراق في استثمار موارده من أجل التنمية الاقتصادية والتنمية المستدامة المنصوص عليها في القسم الخامس من الاتفاقية، وأرادت الولايات المتحدة الامريكية الايفاء بالتزاماتها الواردة في الاتفاقية، وفكرت في تنفيذ التزاماتها التي تمليها عليها النصوص الآمرة ووجدت إن تحركها لتنفيذ التزاماتها يوجب تغطية تشريعية وإن اصدار التشريع يضفي المشروعية على ذلك التحرك. هنا تقول امريكا ان تحركها تشريعياً يستند الى الاتفاقية ولا يمكنها والحالة هذه من تنفيذ التزاماتها في الاتفاقية من دون ذلك التشريع.

خلاصة القول إن اعطاء الرأي في موضوع سواء كان الرأي سياسياً أم قانونياً لا يصح من دون الاطلاع على أحكام اتفاقية الاتفاق الاستراتيجي، وكذلك الاتفاقية الأمنية الموقعة بين العراق والولايات المتحدة الامريكية، إضافة الى أحكام قرار مجلس الامن المرقم 1970 لسنة 2007 وقرار مجلس الأمن الدولي رقم 1483 لسنة 2003، فضلاً عن أحكام المادة 8 من الدستور التي تلزم العراق باحترام التزاماته الدولية إذ تعد الاتفاقيات واحدة من تلك الالتزامات.

المصدر - جريدة المدى
جميع ما ينشر في هذه المدونة للكاتب والصحافي نوري حمدان وهي متاح لجميع المؤسسات الاعلامية في استخدام. يتم التشغيل بواسطة Blogger.