بقلم الكاتب والصحافي توفيق التميمي
احرص سنويا على حضور الاحتفال السنوي للحزب الشيوعي العراقي الذي يعد بمناسبة ذكرى تاسيسه السنوية، والتي يفتخر بها الحزب الشيوعي والعراقيين الاحرار كونه قد سبق جميع الاحزاب العراقية في تاريخ تاسيسه يوم 13 آذار 1934، اي انه تقدم جميع تلك الاحزاب العراقية في تاريخ التاسيس الاول كالحزب الوطني الديمقراطي وحزب الاستقلال وحزب البعث وغيرها من الاحزاب التي شهدتها مرحلتي العهد الملكي والجمهوري، كما يجد الشيوعيون واصدقائهم وانا منهم في ذلك الاحتفال السنوي فرصة استثنائية لتذكير التاريخ بصفحاته الحافلة بصور وفصول البطولة والشجاعة ونهر الدماء الذي قدمه الشيوعيين قربانا لحلمهم في وطن عراقي سعيد ودولة للعدالة الاجتماعية لم تات بعد حتى هذه اللحظة، اما انا شخصيا فحضوري لذلك الاحتفال تصاحبه موجة من مشاعر الاحزان والضلال الكابية من تلك الذكريات التي تشاطرتها مع سلسلة من اصدقائي الشيوعيين من الذين التقيتهم في دروب الحياة وتعلمت منهم قيما في الوفاء والشرف الوطني والايثار الانساني ما لم اتعلمه من سواهم، ومن ثم غابوا عن حياتي قسرا وفارقوني ليتركوا مصطبة من الوحشة والالم في حدائق الروح، استذكرهم وسط اجواء هذه الاحتفالات لارد بعض الدين لارواحهم النبيلة وللدروس التي تعلمتها منهم، في حضوري المتواضع هذا والذي ترافقه عادة طقوس من البهجة التي يسرقها الشيوعيون من يوميات عراقية مليئة بالاحباط والخيبات، ليتبادلوا بينهم باقات من الامل والحب لترميم خراب الوطن الذي يتسع يوما بعد اخر، وانا اقدم تهنئتي وانا اصافح من التقيه من الشيوعيين في دخولي لصالة سميراميس التي اتخذها الحزب مكان لهذا الاحتفال منذ ثلاث سنوات اشعر باني اصافح تلك الاصابع الكريمة من اصدقائي الشهداء الشيوعيين واعانق تلك الارواح التي امنت بالفكرة والحلم الشيوعيين ولم تتلوث بطمع المغانم السياسية او مكاسبها الرخيصة، وخرجت من الدنيا بيضاء الوجه والروح وحلقت في سموات الغياب والشهادة باجنحة الحلم الذي يرفرف على خارطة الوطن مسور ببساتين الامل البنفسجية..
وانا ادخل قاعة الاحتفال اشهد بانها تزدحم بالشيوعيين من كافة الاعمار والشرائح، منهم مازال يحتفظ باثار السياط والالم في دهاليز التعذيب وقد غطت خطوط البياض ايام العنفوان والمكابرة والحلم ومنهم من ولد في زمن اخر لم يشهد فيه ما شهده اسلافه الرفاق من تنكيل وتعذيب وتحطيم الحلم فوق كراسي التعذيب والمهانات، يشاطرهم اصدقاء من امثالي شهدوا بالحق علة تلك الازمنة العصيبة ونجاح الشيوعيين في اختبارات الوطنية والوفاء والايثار.
من حق الشيوعيين الاحياء على قيد الابداع والثبات على المبادئ ان يستحضروا في اجواء هذه الاحتفالات ذكرياتهم الاليمة ومعها كلمات ووجوه من استشهد ورحل من اصدقائهم بالدمع والزهو معا، واستذكار تلك الحفلات التي كان يمارسوها سرا في تلك الايام الصعبة تحت عيون الرصد الامني وتهديدات المخابرات، ومن حقهم يتغنون باغاني الملحن جعفر حسن التي ازدهرت ايام الجبهة مطلع سبعينيات القرن السابق ذلك الحلم المخادع والمزيف من قبل البعثيين الحكام انذاك، ومن حق المحتفلين الشيوعيين ان يلوحوا برايات حمراء تتزين بالشعار الاممي الذي يبرز عناق المطرقة بالمنجل لكنهم عليهم ان يدركوا انهم في زمن عراقي احمق ضيع البوصلة والمسار العادل، حيث تم فيه الاجهاز على بضائع ومنتوجات مصانعنا العراقية الاصيلة وضيع عمالها على مساطر التسكع والبطالة وضيع حقول المزارع وفلاحيها من قبل ما فيات سياسية حكمت عراقنا ما بعد 2003وحتى يومنا هذا.
مع كل ما تقدم من خواطر وتاملات لا اجامل فيها شيوعيا من القيادة والقاعدة وهم في اغلبيتهم من الاصدقاء المقربين لكني اقر واقعا اؤمن به واشعر بالامتنان حياله، لكني دائما ما اخرج من قاعة الاحتفال بعد تمام مراسيمه من قصائد حماسية واغاني جميلة وكلمات قد تمثل موقف الحزب من قضايا الواقع ومستجداته باسئلة كثيرة من بينها لماذا لا تكون هناك مراجعات فكرية وتنظيمية تجعل لهذا الحزب موقعه الذي يستحقه من العراقة والنضال الوطني؟؟ لماذا لا تظهر اصوات شجاعة ومخلصة للشيوعيين وحزبهم الوطني ذا الابعاد الاممية تعيد النظر في المثابات الفكرية والثيمات الحزبية المتوارثة منذ ازمان كما فعلها الشيوعيون الاوربيون في مراحل مختلفة من تاريخ احزابهم؟؟ لماذا لا نعيد دماء الشباب ونبضهم واحلامهم وشغفهم لهذا الحزب المؤهل بين جميع القوى والتيارات للتصدي لقيادة المرحلة المعاصرة في نضال العراقيين ضد الفساد وما يترتب عليه.. الشيوعيون مؤهلون لو خاض البعض منهم مغامرة التغيير والحداثة بنجاح واتزان بان يكون واحدا من ابرز قيادات التيار الليبرالي المدني في العراق المضاد النوعي لتيار التطرف والتخلف والاسلامي السياسي...
لماذا لاتكون مناسبات الاحتفال السنوية هذه فرصة لتلك المراجعة مع الاحتفاظ بالطابع الفني والمتعة التي ياملها جمهور الحزب الشيوعي واصدقاءه من قصائد وكلمات واغاني.. تليق بتاريخ حزب وطني اممي مضى اكثر من 85 عاما في وجوده وقدم خلالها صورا من النضال والشجاعة والبطولة منقطعة النظير ومازال يمثل رمزية مفقودة لبياضات عراقية في العفة والنزاهة والحسرة على سرقة الوطن وخرابه من قبل لصوص السياسة ومفسديها...
اكثر من سؤال يبرز امامي وانا اصافح اصدقائي الشيوعيين مهنئا منذ دخولي صالة سينما سميراميس وحتى خروجي منها.


ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق