المغرب أعاد الأمل للعرب.. وبوتين يحذر
الغرب.. واعتراف ميركل صادم وخطير
رامي الشاعر - كاتب ومحلل سياسي
حينما تجد العلم الفلسطيني وسط رقعة الملاعب
الخضراء يرفعه فريق المغرب بعد إنجازه التاريخي عربيا وإفريقيا بصعوده إلى نصف النهائي
في كأس العالم بقطر، فذلك يعني ببساطة أن فلسطين تسكن القلب العربي، والقضية الفلسطينية
هي قضية العرب الأولى.
هذا أمر منطقي يعرفه القاصي والداني، إلا
أن الجديد هو ما اجتمع وتوحد عليه العرب من المحيط إلى الخليج في تشجيع فريق المغرب،
وفرحته العارمة بالانتصار المبهر الذي حققه فريق المغرب بمدرب وكوادر وموارد وطنية،
وهو ما دفع الملايين في أرجاء الوطن العربي ليفكروا في أنهم “أيضا يستطيعون”، وأننا
العرب “جميعاً نستطيع”، وأن القومية العربية ليست مجرد حلم مغرق في الرومانسية بقدر
ما هي حقيقة يظهرها معدن الشعوب العربية البسيطة في جميع الشوارع العربية على امتداد
الوطن العربي.
يأتي ذلك على وقع تغيرات جذرية في المنطقة،
لعل على رأسها زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى المنطقة، وحضوره أول قمة صينية
عربية في الرياض، تحدّث فيها عن روح الصداقة الصينية العربية التي تتميز “بالتضامن
والمساعدة المتبادلة والمساواة والمنفعة المتبادلة والشمول والتعلم المتبادل”.
ويعود ذلك إلى تاريخ طويل من العلاقات الودية
ما بين الصين والعالم العربي استنادا إلى الثقة والندية ودعم الصين للعرب في قضاياهم
المصيرية، فيما يؤيد الجانبان الحوار بين الحضارات ويعارضان التمييز ضد حضارات معينة،
ويسعيان إلى حماية تنوع الحضارات العالمية، مع تفهم كامل لطبيعة المنطقة، وعدم المساس
بخصوصيتها التاريخية والاجتماعية والسياسية.
يأتي ذلك أيضاً في ظل تغييرات وهزّات تكتونية
في العالم، بينما تتكشف مع الوقت أبعاد المؤامرة ضد روسيا، باعتراف المستشارة الألمانية
السابقة بأن اتفاقيات مينسك لم تكن سوى من أجل “كسب مزيد من الوقت” لتدجيج أوكرانيا
بالأسلحة استعداداً للصراع الكبير مع روسيا.
وفي تعليقه على ذلك، صرح الرئيس الروسي
فلاديمير بوتين خلال مؤتمره الصحفي على هامش قمة الاتحاد الاقتصادي الأوراسي بأنه تصريح
“مخيب للآمال”، ويؤكد ببساطة على أن بدء العملية العسكرية الروسية الخاصة كان حتمياً،
وكان القرار السليم في الوقت السليم.
إن ما قالته ميركل، وقاله قبلها الرئيس
الأوكراني السابق بوروشينكو، من أن اتفاقيات مينسك لم تكن من أجل التنفيذ، يعني ببساطة
أن كل ما تم القيام به في الأعوام 2014-2015 كان له هدف واحد فقط وهو تحويل أنظار المجتمع
الدولي عن المشكلات الحقيقية والمماطلة، وضخ كل ما يمكن ضخه من أسلحة للنظام في كييف
استعداداً للمواجهة مع روسيا.
دليل آخر دامغ على مراوغة وتلاعب ومكائد
الغرب، الذي يلجأ لجميع الوسائل على كل المستويات، بما في ذلك أدناها وأحقرها من أجل
هدفهم الأوحد وهو “تدمير روسيا”. وهو ما صرح به أمين مجلس الأمن الروسي نيكولاي باتروشيف،
حيث أكد على أن الهدف بعيد المدى للولايات المتحدة الأمريكية و”الناتو” هو “إضعاف أو
تدمير” روسيا بأي ثمن، وكسر البنية الأمنية في منطقة أوراسيا.
ويبدو أن المهمة التي اضطلعت بها الولايات
المتحدة الأمريكية في تسعينيات القرن الماضي لتفكيك وتدمير روسيا، ولم تنجح بسبب التحول
الكبير الذي مرت به روسيا مطلع الألفية الجديدة، عادت لتشغل صدارة الأولويات الأمريكية
الأوروبية.
لكنني ربما ألتمس العذر للمستشارة الألمانية،
فما حدث قد لا يكون نابعاً من إرادتها السياسية الحرة، وألمانيا، في نهاية المطاف كما
نعلم، لا تتمتع بالاستقلال والسيادة الكاملة على أراضيها كما أصبح واضحاً فيما بعد،
ولا شك من أن ميركل تعرضت إلى ضغوط هائلة من الولايات المتحدة الأمريكية للمماطلة في
اتفاقيات مينسك من أجل تنفيذ خطط “البنتاغون” و”الناتو” والمخابرات المركزية الأمريكية،
لا سيما وأن ألمانيا تضم على أراضيها أضخم خمس قواعد عسكرية أمريكية في أوروبا، لذلك
تعيّن على ميركل وعلى أي قيادة ألمانية السمع والطاعة، بصرف النظر عن الأسماء أو الأحزاب
أو الرأي العام الألماني أو أي حريات أو آليات ديمقراطية من تلك التي ينصحوننا بها
في “العالم الثالث”. وتضمنت هذه الخطط تدشين المطارات والبنى الهندسية العسكرية ونقل
أعداد هائلة من أفراد ومعدات الجيش الأمريكي وكافة أنواع التعزيزات إلى الأراضي الأوكرانية
(وهو ما اتضح أثناء تفاصيل العملية العسكرية الخاصة) والاقتراب من حدود وعمق الجغرافيا
الروسية.
واعتراف ميركل، الذي يرقى لأن يكون دليلاً
في المحكمة، هو أول دليل على أن واشنطن والغرب هم من خططوا وهندسوا ونسقوا وقاموا بالانقلاب
في أوكرانيا عام 2014، وقد تم التخطيط لهذا الانقلاب منذ 28 عاما، عندما بدأ “البنتاغون”
التحضير للخطة التي وضعها البيت الأبيض بعد تفكك الاتحاد السوفيتي لتدمير روسيا وتقسيمها
والسيطرة على كافة مصادر الطاقة على أراضيها، وتم تمويل هذه الخطة، بلا مبالغة، بما
يقدر بـ 800 مليار دولار، تشمل زعزعة الاستقرار والانقلابات في الدول المجاورة لروسيا
من الجمهوريات السوفيتية السابقة أو ضمن مجموعة البلدان الاشتراكية سابقاً.
ولعل اعتراف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون
الأخير بشأن تراجعه عن “الضمانات الأمنية لروسيا” يؤكد حقيقة أن أوروبا منزوعة السيادة
بالكامل، فتكفي محادثة هاتفية واحدة من البيت الأبيض ليخرج الزعيم الفرنسي قائلاً إن
تصريحه الأخير بشأن الضمانات الأمنية لروسيا قد “اجتزأ من سياقه”، قبيل انعقاد مؤتمر
جديد الثلاثاء القادم في باريس بشأن مساعدات جديدة لأوكرانيا.
تتعرض أوروبا لضغوط هائلة، وذلك أمر مفهوم،
إلا أن ما لا تدركه أوروبا هو أنها بصدد طوفان جارف لا علاقة له بأوكرانيا بقدر استناده
إلى رغبة شديدة لدى أغلبية الشعوب والبلدان في الخروج من عباءة النظام العالمي أحادي
القطبية، ومن هيمنة الولايات المتحدة الأمريكية، شاءت أوروبا أم أبت.
ولتعلم الولايات المتحدة الأمريكية ودول
حلف “الناتو” أن إيقاف مسيرة عالم التعددية القطبية قد أصبح مستحيلا، وردا على تهديد
“الناتو” بالأمس بأن الحرب يمكن أن تتوسع، لا يسعنا سوى أن ننقل كلمات الرئيس الروسي
فلاديمير بوتين بأن روسيا قادرة على حماية أمنها القومي، وأمن حلفائها، والأمن العالمي
من أي تهديد نووي إذا حكمت الظروف بذلك، مع التأكيد هنا، وكما صرح بوتين، على أن روسيا
لن تكون البادئة، لكنها “سترد” بقوة، بمعنى أنه إذا كان سقوط الرؤوس الحربية لصواريخ
العدو على أراضي روسيا لا مفر منه، والحديث لبوتين، “فسوف تنطلق المئات من صواريخنا
وستسقط على أي حال، ولن يبقى من العدو شيء، لأنه من المستحيل اعتراض مئة صاروخ في وقت
واحد”. وهو ما وصفه الرئيس الروسي بالردع.
وما لا تعيه أوروبا أيضاً هو أن ما يجري
في كواليس العلاقة بين الرئيس الصيني والدول العربية، وما بين الرئيس الصيني ونظيره
الروسي، وما بين دول بريكس وإفريقيا وأمريكا اللاتينية، بل إن ما حدث يوم أمس على ملاعب
الدوحة، خلال الدورة الأولى لكأس العالم على أراضي العالم العربي، من صعود أول فريق
عربي، وأول فريق إفريقي إلى نصف نهائي كأس العالم، ليكون من بين الفرق الأربع الأفضل
على مستوى العالم، وهو فريق المغرب، يؤذن ببداية جديدة لعالم جديد تريده الأغلبية الساحقة
من سكان كوكب الأرض، وكل ما يدور مؤخرا بهدف تشويه العملية العسكرية الروسية الخاصة
والاتهامات لروسيا هو محاولات بائسة من جانب الغرب لخداع المجتمع الدولي، وإيهامه بأن
نظام الأحادية القطبية راسخ ومستدام.
ختاماً، أعرب عن عميق تقديري لقيادات وشعوب
الدول العربية التي التزمت ولا تزال ملتزمة بالموقف المبدئي من الصراع، وتوطيدها العلاقات
مع الصين وروسيا وبلدان البريكس، وهو ما يدل على أن عالمنا العربي اختار الانحياز إلى
التعددية القطبية. وألف مبروك لفريق المغرب لكرة القدم لصعوده إلى نصف النهائي في كأس
العالم بقطر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق