باتت عملية
الإصلاح والمصلحين في إطار أزمة الفساد المستشري على كافة المستويات في البلد
مخجلة وواضحة حتى لدى السذج من عوام البسطاء ولم تعد تنطلي على شرفاء الأمة
واحرارها والمكتوون بنار الخيبة والخذلان من السياسات التي انتجتها المحاصصات السياسية
السابقة واللاحقة حتى بات شعار الإصلاح وقواده موضع سخرية الجميع بدأ من الشارع
المجتمعي ومرورا بشبكات التواصل الإجتماعي وإنتهاء بحلقات المدارس والجامعات
والمقاهي العامة والمتسكعين على ارصفة شارع الرشيد والبتاوين.
لا احد ينكر ان
جهودا بذلت في هذه المعركة الشرسة لكن ضحاياها وقادتها قلة والطلقاء من العقاب كثر
والآليات معطلة في تنفيذ القصاص وهي غايات ودوافع معروفة لدى المؤسسات والدوائر
العالمية الى جانب ملفات من الحقائق لدى العراقيين بغض النظر عن ملفات تعد
بالاطنان لفساد وفاسدين تعلوها أتربة المدارج و"الجواني" المعدة للحرق
في اية لحظة تشاء فيها إرادة سراق المال العام وناهبي ثروة البلاد.
اللافت للنظر ان
القوى والتحالفات العريضة كمن يصدح في واد سحيق وصداه يتردد الى أذنيه في صحراء "الربع
الخالي" بعيدا عما يجري في البلد من نهب وسلب وتهافت على المغانم والبيع والشراء
للمشاريع وتعطيل التنمية والخدمات فيما يضل التنافس الحزبي سيد الموقف ورافع راية
التشتت والإنفلات وهو ما ينعكس برمته على الواقع الامني الاخطر في كل الحسابات.
العملية
السياسية تدور منذ عام 2003 لغاية الآن في دائرة الأزمات تلو الازمات كأن قدر هذا المشروع
المسمى بالتغيير التحارب والتحازب والإنشقاقات حتى في الاحزاب الإسلاموية التي
تدعي الإحتكام الى الغايات الإسلامية في الدولة والمجتمع والروح المعنوية والتأسيس
لمشروع العراق الشيعي او السني لافرق مادامت المسببات واحدة والمناهج واحد فكلاهما
ينتميان اما الى مدرسة واحدة ومهما يكن فان الإستثمار في الحقل الديني السياسي
اكبر وقعا منه من بقية الحقول ماخلى الأحزاب او التوجهات العقيدية كالشيوعيين مثلا
وعمقهم الستراتيجي في البلاد ناهيك عن القضية الكردية وخصوصياتها القومية.
مرجل الحراك
السياسي في العراق وفي العملية السياسية العراقية يختلف عن سواه في كل الدنيا "
حراكا ودينامية " اذا ما تمت مقاربته مع بقية التجارب السياسية وحركات
التغيير في العالم في اوروبا او آسيا او افريقيا ولن تكون اقرب اليها مطلقا
بإستثناء سرقة أفكار ما نجحت به تنظيمات وتيارات واحزاب وتجمعات في الإستيلاء او
الحفاظ بالسلطة وتنفيذ برامج الجماعة الممسكة بالسلطة ولولا الدستور المسن في
البلاد 2005 والإنتخابات بدفع من النجف " المرجعية " ظاهرا لما تخلى احد
من السياسيين من الحكم في ولاية او ولايتين انتخابيتين لو تثالثت الدنيا ولتحجج
هؤلاء الممسكين بالسلطة بدواعي حفظ الامن وتسيير امور البلاد واللحمة الوطنية والخ.
الساسة
العراقيون داخل الحكم وخارجة كل منهما يرى ان وجهة نظره هي الصحيحة والواجب
إتباعها شاءت الأمة ام أبت دون التفكير بان الأمة ومصيرها اكبر من وصوليتهم
وانتهازيتهم والمبادىء التي تستند اليها منظوماتهم الحزبية إسلامية كانت ام
علمانية ليبرالية ام ديمقراطية ومهما يكن فانها طامحة ومستقتلة للوصول الى كرسي
الحكم ولو بالحد الادنى منه " مدير ناحية او مدرسة على اقل تقدير " وما
مفهمومهم لمشروع الشراكة الا كذبة كذبوها على انفسهم فصدقها الآخرون وحسبوها
" ضيزا " دون ان يتداركوا مكامن القنص في مشاريع الساسة والاستيلاء او
الالتفات الى مستقبل تلك المخططات التي كرست في عقول الناس وقناعاتهم افكار مخيفة
تبعث على الكراهية والتنابذ والاحقاد والقتل على الهوية باسم الإسلام او الدفاع عن
الارض..
الإصلاح هو
الإصلاح لا يحول ولايبدل لكن الذي يبدل ويحول ويحور هو موقف القوى السياسية كل حسب
مصلحته وغاياته وفي جانب آخر هناك من يجد في الإصلاح هو اللبنة الأساسية لدفع
مسيرة البناء والتنمية في البلاد بدعم ومساندة من قيمة عليا تحترمها الناس وتخشاها
الجماعات السياسية الحاكمة وغيرها من لم تحكم وهي " المرجعية الدينية العليا
" تلك المرجعية التي يراد لها ان تحتل مساحة كبيرة من الإحترام والمقبولية
الوطنية ولها مواقفها التاريخية بعيد عن تنابز القوى السياسية وعراكها ومنافساتها
وتصالحها الضاهري والكاذب في النوايا.
حاولت القوى
السياسية تجيير مواقف المرجعية لصالحها وحاولت معها استمالة المرجعية اليها للوقوف
ضد خصومها السياسيين كما وانها حاولت فبركة مواقف المرجعية لكي تجد لها مساحة من
المقبولية حتى من قبل الإسلاميين انفسهم ولنضرب مثلا بسيطا في فترة من فترات الغلو
والأستحواذ ، أكد القيادي السابق في حزب الدعوة، صلاح عبد الرزاق، الاثنين (20 أيار
2019)، أن المرجعية الدينية المتمثلة بالمرجع علي السيستاني، لم تدعم حكومة عبد المهدي،
بسبب "خيبة املها" من رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي ، وقال عبد الرزاق،
في تصريح صحفي، إن "المرجعية تراقب عمل الحكومة الحالية، وهي لم تعط صكاً (لعبد
المهدي) كما فعلت مع العبادي ودعمته علناً في ،خطب الجمعة، لكنها أصيبت بخيبة أمل في
آخر أيام العبادي، حتى بحّت أصواتها وألغت تضمين القضايا السياسي في خطب الجمعة إلا
عند الحاجة، وهذا دليل على عدم ارتياح المرجعية عن أداء الحكومة، انتهى قول عبد
الرزاق وهو من الشخصيات المقربة للمالكي رئيس الوزراء الاسبق وزعيم إئتلاف دولة
القانون طبعا لا اريد هنا التعليق على موقف عبد الرزاق او الجهة التي ينتمي اليها
بقدر ما اريد تقديم دليل على التنابز فما بال عبد الرزاق او الدعوة بولايات سياسية
لهذا الشخص او غيره وموقف المرجعية منها ، طيب ما هو بديل الدعوة الإسلامية منذ
2003 لغاية 2014 ، وهي التي تسلمت الحكم منذ ذلك الحين ماذا نتج وكيف كان موقف
المرجعية منها ومن ولاية المالكي الثالثة.
الحديث مازال
ويبدو انه سيستمر في ذات العمق والتغييب لمشاريع الإصلاح والتركيز القاتل على المصلحة
الذاتوية او الحزبية ونروي خبرا آخر له صلة بالمزايدة ومحاولات الإزاحة وتلقف
المواقف وإستغلال الفرص ، أكد النائب عن ائتلاف الوطنية صفاء الغانم عدم امتلاك كتلة
خميس الحنجر " المشروع العربي " الحق في تقديم مرشح وزارة التربية، مشيرا
الى ان اتحاد القوى العراقية سيعقد اجتماعات مقبلة لتحديد موقفه من التحالف مع البناء،
وقال الغانم في تصريح صحفي، ان قرار حل
المحور الوطني سيؤدي الى تفاهمات سياسية جديدة بضمنها فقدان كتلة خميس الحنجر الاحقية
في اختيار وزير التربية، مضيفا ان ما تبقى من النواب لدى خميس الخنجر او احمد الجبوري
عدد قليل غير مؤثر على العملية النيابية في الايام المقبلة.
الإرتجال في
المواقف وجعل المنابر على "فوهة بركان" للناس والسلم المجتمعي والامن
الوطني يدركه السياسيون قبل غيرهم من سواد الناس في البلاد ، وثمة يعترفون بها
تارة ويغضون عنها الطرف تارة اخرى " ويحرفون الكلم عن مواضعه " وهو ما
نتج عنه كل هذا الإنكفاء والرخص المهين للقضايا الوطنية ومقدرات البلاد وضياع
مسببات النجاح وإيراقة الماء تحت بساط الآخرين ممن يدعون العمل السياسي.
طرفان يتصارعان على
إثبات" الهوية " الوجود ولقضايا
ستراتيجية ترى واشنطن في المنطقة العربية ولحماية امن من تريد حمايته وطهران التي
منذ انطلاق مشروعها السياسي الإسلامي في ثمانينات القرن الماضي بقيادة الخميني ترى
نفسها في صدارة المواجهة والدفاع عن ما تصفهم بالمحرومين والمستضعفين وتصدير
الثورة من موجبات الغاية الإسلامية ، القيمية كل هذا يجري بين طرفين وعلى بقية
الدول من الناحية الدبلوماسية والسياسية والحدود والجيرة ان تدخل عامل تهدئة او
تقريب او ايجاد حلول وسط لحقن الدماء هذا من الناحية الانسانية وحق الجوار لكن ان
تضع نفسها موضع الشريك او المدافع وتغليب المواقف فهذا مالاتحمد عقباه ووضع البلد
على حافة الخطر والتدهور خاصة وان العراق لايمتلك القدرات التي تأهله للعب دور
اكبر مما هو فيه او مرسوم له وليس بمقدور ساسته ان يغلبوا جهة لدواع طائفية
وسياسية على جهة لها وزنها الدولي في العالم ومن الممكن الاستفادة منها وعدم
الاحتماء بها طبعا ووضع الخطوط العامة في التعاملات السياسية والإقتصادية معها.
محمد البغدادي
خلاصة القول أن
هناك دولة عميقة داخل الدولة البسيطة تحكم العراق وان شخوصا لا تتعدى اصابع الكفين
تتحكم بمقدرات البلاد وقرارها السياسي وان كل ما ينتج كل اربع سنوات حكم هي وعاء
لتلك المخرجات المتحكمة وان ليس لدينا مؤسسات دولة بقدر ما هي مؤسسات سلطة تشرعن
المواقف وتضع للسياسات خطوطها العريضة ومساراتها وتحولاتها ومنهاجها السياسي السنوي.


ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق