السبت، 16 مارس 2019

الرئيسية في ذكرى رحيله.. الصين تثبت ان ماركس على حق – بقلم الكاتب والصحافي علي حسين

في ذكرى رحيله.. الصين تثبت ان ماركس على حق – بقلم الكاتب والصحافي علي حسين

قبل 136 عاما وفي يوم السبت الموافق السابع عشر من اذار عام 1883 تم وضع جثمان كارل ماركس في قبر بالقرب من زوجته التي توفيت قبله بخمسة عشر شهرا، وقد وقف على القبر صديقه ورفيق رحلته فريدريك انجلز الذي ألقى كلمة قال فيها: "في الرابع عشر من آذار، وفي الساعة الثالثة بعد الظهر، لم يعد المفكر الحي الأعظم يفكر.
كارل ماركس
لقد ذهب بسلام إلى النوم ولكن إلى الأبد".. ثم اضاف و"كما اكتشف داروين قانون تطور الطبيعة العضوية، اكتشف ماركس قانون تطور التاريخ البشري، كما اكتشف أيضاً قانون الحركة الخاص الذي يحكم طريقة الإنتاج الرأسمالية الحالية والمجتمع البرجوازي الذي خلقه هذا النمط من الإنتاج. إن اكتشاف فائض القيمة ألقى الضوء على المشكلة فجأة. لقد كان ماركس قبل كل شيء ثوريًا. كانت مهمته الحقيقية في الحياة هي المساهمة بطريقة أو بأخرى، في الإطاحة بالمجتمع الرأسمالي ومؤسسات الدولة التي جلبها إلى حيز الوجود، والمساهمة في تحرير البروليتاريا الحديثة، كان القتال هو عنصره، وقد قاتل بشغف ومثابرة ونجاح".

في استطلاع اجرته هيئة الاذاعة البريطانية قبل اكثر من عشرة اعوام، تم اختيار كارل ماركس كأفضل مفكر في كل العصور. على الرغم من ان الرجل لايزال يتعرض ومنذ اكثر من قرن الى انواع شتى من الهجمات والتشويهات ومحاولات التقليل من مساهمته في الفكر العالمي.
علي حسين
في الخامس عشر من أيار عام 1818 يولد كارل هينريغ ماركس في مقاطعة غرب المانيا، في تلك السنة ينشر شوبنهاور كتابة الشهير "العالم كإرادة وتمثل" وهو الكتاب الذي أثار ضجة كبرى، ولا يزال من أهم ما أنتجته الفلسفة الغربية في عصرها الحديث، الأمر الذي دفع مترجماً وباحثاً كبيراً مثل عبد الرحمن بدوي ان يخصص كتاباً عن شوبنهاور يكتب فيه: "كان حراً كأوسع ما تكون الحرية بإزاء السلطات الثلاث، فلم يحفل بالسياسة على الإطلاق. وإن كان نصيراً للنظام ولهذا أبغض الثورة التي قامت في ألمانيا عام 1848، لأن فيها إخلالاً بالنظام"، وفي السنة نفسها تظهر شخصية فرانكشتاين في الرواية التي وضعتها ماري شيللي، والتي ستؤثر كثيرا على ماركس المراهق، مثلما أثّرت به رواية والتر سكوت "ايفانهو" التي شغلته أسئلتها عن البطل الفرد أثناء فترة شبابة، وعندما يصبح عمره اربع سنوات يتوفى سان سيمون اول من آمن بفكرة التطور وان المجتمع لا يثبت على حال وهي الفكرة التي ناقشها ماركس فيما بعد من خلال نقده لمبدأ سان سيمون القاضي بأن الاشتراكية والعدالة يمكن أن تتحققا على يد مستبد مستنير، ويُقال إنه ظل يمطر نابليون بالرسائل يناشده بأن يحقق العدالة الاجتماعية في أوروبا.

ولانعرف اشياء كثيرة عن طفولة كارل ماركس باستثناء اللمحات التي كتبتها ابنته إيليانور، كان غلاما قوياً، متين البنية، حيوي الذهن، ودون ان يكون كارل عبقرية مبكرة بكل معنى الكلمة، فقد اظهر منذ صباه المبكر ذكاء حاداً جدا، وتخبرنا شقيقته الكبرى ان كارل لم يتجاوز الخامسة عشر من عمره لكنه كان يتحدث مع ابيه عن الاخلاق والحرية وعن الله، وكانا يقضيان اوقاتا طويلة يتناقشان حول افكار فولتير وا قصائد غوته، وفي تلك السن قرأ شكسبير، واعجب بسيرفانتيس وحفظ مقاطع مطولة من الياذة هوميروس، وكان والده يامل ان يستخدم ابنه مواهبه العقلية في خدمة الناس، اما امه فقد كانت تامل ان يساعد الحظ ابنها فيصبح صاحب مال وفير.

يدرس ماركس الشاب القانون في جامعة بون تنفيذاً لرغبة والده، لكنه يكتشف الفلسفة التي ستكون ميدانه الأساسي ومعها يقول في رسالة الى حبيبته وزوجته "فيما بعد"جيني"، إنه وجد ما يبحث عنه أخيراً.. في الفلسفة يكتشف استاذه الاول هيغل معلم الفلسفة الالمانية المطلق وسرعان ما ينضم الى جماعة الهيغليين الشباب، يكتب لوالده انه يريد ان يترك القانون، فقد احدث هيغل تقلباته في نفسه وهو يريد ان ينتهي من هذا القلق الذي يعيشه: "لقد قرات شذرات من فلسفة هيغل التي كان تناغمها اليالكتيكي الغريب والحاد لايروق لي، كنت اريد ان اغوص مرة اخرى في محيط هيغل". بعد عام يكتشف بالصدفة نصوص فيورباخ الاستاذ الذي طـُرد من الجامعة لأنه انتقد هيغل بقسوة، فيما ينكب ماركس على دراسة شتى الفلسفات يضع قواعد لدور الفيلسوف في المجتمع، هذا الفيلسوف الذي يجب عليه وهو يقول الحقيقة ان يُسهم في تغيير المجتمع.

من بين جميع البلدان التي ظل ماركس يناضل من اجل ان تنعم بالاشتراكية، لم يكن يحلم بان دولة مثل الصين ستظل تفكر به بجديه حتى بعد مرور هذه السنوات الطويلة على وفاته، ففي الذكرى المئوية الثانية لميلاده، أقيمت احتفاليات كبرى في الصين، بل ان الحكومة الصينية ارسلت تمثالا كبيرا هدية إلى مسقط رأسه في المانيا، لتعلن للعالم انها لاتزال تفخر بهذا المواطن العالمي.

لو اردنا ان نستعرض بعض المناقشات في تاريخ الاشتراكية. نجد اقترح ماركس بأن تمر المجتمعات بمراحل مختلفة، على النحو الذي تحدده التقنيات ووسائل الإنتاج. لقد رأى الرأسمالية منتجة بشكل ملحوظ، لكنها غير عادلة ومثيرة للفزع والظلم، ومُحكوم عليها بأزمات دائمة. كان الأمل أن تحل الثورة الاشتراكية مشكلة التوزيع، وفي النهاية سنتجه جميعًا نحو جنة الشيوعية الفاضلة، وهي تشبه المدينة الفاضلة التي دعا اليها افلاطون عندما اسس ماو تسي تونغ جمهورية الصين الشعبية عام 1949 وحكم كرئيس للحزب الشيوعي الصيني لعقود من الزمن. طرح مذهبًا ماركسيا بديلاً، شدد فيه على إسهامات الفلاحين الريفيين في الثورة الشيوعية، وجادل بأن الصين يمكنها تجاوز أشكالات الرأسمالية التقليدية. وقد وجدت عقيدة ماو تأييدًا قويًا في بعض البلدان وعند عدد من المثقفين الغربيين الذين كانوا يبحثون عن إطار لفهم الثورة الشيوعية الجديدة، وكان على راسهم جان بول سارتر والبرتو مورافيا وفرانز فانون وريجيس دوبريه.

سيقول البعض ولكن ماذا عن ثورة ماو الثقافية والمجاز التي ارتكبها الماويون في كمبوديا، والمحاولات لتضييق الحريات؟ في العام 1979 سيصعد الى السلطة في الصين رجل قصير القامة مستدير الوجه، عاش ما يقارب القرن ولد عام 1904 وتوفي عام 1997 انه دينغ شياو بينغ الذي اعاد تفسير كتاب كارل ماركس راس المال، ليدخل من خلاله الصين الى منعطف جديد يليق بمكانتها، وكان من بين الاصلاحات اعتماد اقتصاد السوق والتوسع بالملكية الفردية، الامر الذي جعل العديد من الماويين المتشددين يعلنون بأن الرأسماليين استعادوا البلاد، وأن ثورة شيوعية جديدة اصبحت ضرورة حتمية، فيما اعتقد العديد من السياسيين والكتاب الغربيين ان الصين بما انها حررت اقتصادها، فإنها ستتخلى عن الحزب الشيوعي .

يكتب سلافوي جيجك: ماذا سيقول ماركس في وضع الصين الجديد؟ ثم يضيف لا يمكننا أن نعرف على وجه اليقين، لكنه قد يرى أن الماوية الموجهة للفلاحين قد تمت تجربتها ووجدت أنها بحاجة الى ان تعود الصين الآن إلى المسار التقليدي للإنتاج الصناعي، لبناء اقتصاد قوي أولاً ثم العودة إلى الإصلاح السياسي.. ويتساءل جيجك: هل أتوقع أن تتخذ تلك الإصلاحات السياسية المستقبلية طريقًا ماركسيًا لدكتاتورية البروليتاريا؟ على الاغلب لا. ولكن عندما يتعلق الأمر بالصين، فإن ماركس هو المنظر الوحيد الذي يعيش هناك مزهوا .
ماو
تجادل المفكرون الشيوعيون كثيرا حول مدى انحراف ماو عن ماركس، أو ما إذا كان نهج ماو يمكن دمجه في إطار ماركسي أوسع. وهذا ما حاول ان يجيب عليه مؤخرا الرئيس الصيني الحالي شي جين بينغ"، ففي الذكرى المئوية الثانية لميلاد ماركس دعا شي جين بينغ، أعضاء الحزب الشيوعي الصين إلى العودة إلى دراسة ماركس الذي اطلق عليه اسم "الحكيم الاشتراكي" قائلا: "إننا نحتفل بماركس من أجل الإشادة بأكبر مفكر في تاريخ البشرية ، وكذلك لإعلان إيماننا الراسخ بالحقيقة العلمية للماركسية." ويطلب من أعضاء الحزب دراسة مختارات من أعمال ماركس، خاصة البيان الشيوعي. .ولكن هل الماركسية التي يريدها الرئيس الصيني هي شبيهة بالجهاز البوليسي الذي صنعه ستالين؟ يقول شي أن الماركسية تتغير مع الزمن، وأنه يجب أن تتكامل مع الثقافة المحلية حتى تكون فعالة، وتحتاج إلى حزب قوي من أجل النجاح: "هذه الدولة الماركسية هي محاولة لتوحيد السكان وراء أيديولوجية وطنية، ليس لإلهام الصراع الطبقي ولكن لإحياء التقاليد "الأفضل" للحكم الصيني" .

عندما اراد دينغ شياو بينغ، ان يحدث الصين واجه معارضة من الحرس القديم واتهموه بانه رجعي ورأسمالي، وحين احتج بعض اعضاء القيادة على نهجه قائلين: "تريدنا ان نعجب بالنموذج الاستعماري" رد عليهم وهو يبتسم: "ليس المهم لون القطة أبيض أم أسود، ما دامت القطة تصطاد الفأر فهي قطة جيدة".

في الاول من تشرين الاول ستحتفل الصين بعامها الستين، دولة على طريق الماركسية، لكنها دولة هي الاولى اليوم بين الأمم، حيث تحولت من بيوت بسيطة إلى اكبر ناطحات السحاب. ومن دولة تسمح ببدلة واحدة وطفل واحد للعائلة، إلى بلد تنافس فيه شركاتها وتنتصر على كبرى شركات العالم، من بلد كان قبل مئة عام يهاجر أهله إلى أنحاء العالم طلبا للرزق إلى بلد يستقبل العمال والتجار والخبراء من كافة أنحاء العالم .

أصحبت الصين على خريطة التقدم، عندما تحولت من مجرد مشروع حزبي ضيق إلى مشروع سياسي منتج.

جميع ما ينشر في هذه المدونة للكاتب والصحافي نوري حمدان وهي متاح لجميع المؤسسات الاعلامية في استخدام. يتم التشغيل بواسطة Blogger.