غربنة الهوية اليهودية


غربنة الهوية اليهودية

د. حيدر سعيد

(1)

انتشرت دولة إسرائيل، ما بعد الحرب العالمية الثانية، حلت للمسألة اليهودية في أوروبا، التي شهدت، منذ القرن التاسع عشر، حتى ليلتها منهجيين، مارسته بالكامل ليهودها. وإذا كان تشكيل إسرائيل تعبيرا عن عقدة ذنب أوروبية مما ارتكبته بحق اليهود، ولا سيما في الهولوكوست، فإنه أيضا حل قائم على الإزاحة، إزاحة اليهود إلى خارج أوروبا (الغرب).

(2)

عدم وقف نشاط إسرائيل، منذ وقفها، لم تتوقف على بناء خدمة اليهودي، بل كان يستند إليها "جوهر غربي"، ليس فقط لأن من شكل إسرائيل هم يهود أوروبا، وليس فقط عقدة نوستالجيا وتميز إنتاج المكان الذي طرد منهم اليهود، بل لتُظهر - أيضا - اختلافها النوعي عن محيطها، العربي والمسلم: أنها من طينة غير طينتهم، إنها من طينة الغرب وقيمه ونسيجه.

(3)

هناك بعض الأعمال الأكاديمية التي تناقش هذا الموضوع، ولكنها تركز على الهوية في مجتمع مجتمعي ومدى تجرب بين القيم التي حملها يهود أوروبا والتهديد بالقيم التي حملها معها يهود الشرق غير أن كتابًا عن هوية إسرائيل، أصدره قبل بضع سنوات مؤرخ إسرائيلي اسمه ديفيد تال، يكشف عن أن الدولة الإسرائيلية اعتمدت -بعد قيامها بقليل- سياسات غربنة، من خلال دعوة النخبة اليهودية الغربية إلى التوطن في إسرائيل، وبناء مؤسسات أكاديمية وفكرية وثقافية تحاكي النمط الغربي.

(4)

في تقديري، لم يكن هذا النوع من البناء هوية إسرائيلية متنوعا هوية غربية موقفا حضاريا (وإسرائيل، بلا شك، كما العالم أجمع، يعتقد أنها غربية محددة هناك لأنها تحته وتبلغه)، بقدر ما هي فكرة حمائية أعني حماية الوجود، لأن الدعم الغربي، السياسي والعسكري، يتجه -في كثير من اللحظات- إلى "المتحضر/ المماثل"، بوجه "المتخلف/ المختلف".

(5)

لا تريد أن تتطابق، هنا، لنقاش حدود تطابق قيم دولة إسرائيل مع قيم الحداثة الغربية، فهي إن كانت لا تستطيع إلا في بعض المجالات في أن تتطابق مع الغرب (كالتقدم العلمي والتكنولوجي، والجامعات، وسوى ذلك)، إلا أن تصورها كدولة لشعب ذات سيادة، لا يزال يقوم على أساس قومية دينية تمارس تمييزا عنصريا بحق من يُفترض أنهم "مواطنون"، وهو ما يعود إلى لحظة تسبق لحظة الحداثة الغربية بلا ريب.

(6)

في الحرب الأخيرة على غزة، لم تكتف إسرائيل بجعل هذه الحرب ممتدة للحملات العسكرية العسكرية الجديدة، فوصف حماس مقاتل بـ"الدواعش" لم يكن المقصود إظهاره لإرهابيون، أو أن يتحكموا في سيطرة داعش، حين أصبحت مدن في العراق وسورية. كان هذا النوع من الخطاب يهدف، في الجوهر، إلى إظهار أن هذه الحرب هي امتداد لـ"الحرب على الإرهاب"، مفهوما، ومشروعا، واستراتيجية.

(7)

ومع ذلك، يبدو لي أن الأهم هنا هو البروباغاندا التي تقوم بها النخب الإسرائيلية، والتي تعتمد على استنساخ قيم المجتمعات الغربية ونمط تحكمها في لحظات كالتي تعيشها إسرائيل الآن حرب غزة هي في الحقيقة فرصة لاستمرار وعميق "التسوير الرمزي"للهوية الغرب لإسرائيل.

جميع ما ينشر في هذه المدونة للكاتب والصحافي نوري حمدان وهي متاح لجميع المؤسسات الاعلامية في استخدام. يتم التشغيل بواسطة Blogger.