بقلم الكاتب والاعلامي محمد البغدادي
عاشوراء يوم انتصار الدم على السيف مقولة ترددت منذ 1400
عام، تلك الواقعة التي أرخها الزمان باحرف
من دم عبيط راعف مسال، لم تستطع سنون التاريخ محوها وتجاوزها، واقعة فريدة من
نوعها من وقائع الزمان واي زمان يشد اليه العاشقون الرحال ليبعثوا فيه همم الرجال
وصولات الفرسان وانين العطاشى لثار تاجج في قرار نفوس الموالين والاتباع لقامة من
قامات مجابهة الظلم والعبودية "ولله لا اقرن اقرار العبيد" قالها الحسين
ابن علي عندما اريد له ان يبايع ويخرج عن دائرة إمامته وعدل ابيه علي وقدسية أمه
الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء "ام ابيها" وصبر اخيه الشهيد الحسن الذي
شيعته سهام الردة حين تسمرت في نعشه في بقيع الحزن وهجير الالم ودموع الصابرين رغم
بسط يديه للسلام حفاظا على كرامة الامة والابقاء على "اشهد ان محمدا رسول
الله" يرفع من فوق المنابر.
يوم الطف شكل عمقا معرفيا في ثقافة الامة الإسلامية
وأتباع ال البيت عليهم السلام لإعتبارات تدخل في تفاصيل الثورة والتمرد وعبور
الخلاف وتحقيق الابدية عبر برنامج احراج الظالمين والوصول اليهم من المدينة الى
كربلاء، ولذلك فان الحسين عليه السلام اكد
في ثورته ان ثقافة المقاومة لم تكن فهما معرفيا يدرس في منهاج الدارسين والف باء
الابجدية العربية وتنقيط ابو الاسود الدؤلي وحسب وانما وضع الحسين عليه السلام
ممكنات واليات وحوافز الثورة في كل نقطة وفاصلة من مسارات التاريخ وضرورات المراحل
التي تقف حائلا بين تحقيق الامة دولة عدلها وان لم تتحقق بعد الى حين مهديها او في
اقصى حالات التشرذم المجتمعي ان تكون هناك جماعة حسينية ثائرة تشتغل على التغيير
ويكون همها الاوحد ان تقيم العدل بدمها وتضحياتها ووصولها الى مبتغاها وان كلفها
ذلك غاليا من الارواح والاموال والاهلين كلها قرابين من اجل تحقيق ما خرج الحسين
من اجله وقاد في عمق الصحراء اهله واقرب الناس اليه واولاده واخواته ليؤكد عليه
السلام ان درب "ذات الشوكة" هو ان لا تضع في نصب عينيك الخوف من الظالم
وان تتحرك في اطار قيادة الامة الى تاكيد العدل وروح الاسلام قمة ما تصبو اليه
لمرضاة الله تعالى.
العراق هو كربلاء مهما اختلفت الظروف ورهانات المشهد
القيمي والفلسفي والحركي وتعدد الاحزاب وقنوات التغيير الا انها ووفق رؤية التاريخ
تتحرك باتجاه التغيير وهو ما نشهده منذ 1400 عام على تحول الطف الى قيمة سياسية
وروحية وملهم لكل الحركات الدينية وغير الدينية في العراق، ونقولها العراق كربلاء
لما اشتمل عليه هذا البلد من تغيرات سياسية وحاكمية لم تشتمل عليه بقية البلدان في
العالم ولذلك فان ومثالا على ذلك تعتبر المكونات السياسية دينية وعلمانية فيه غير
تلك المكونات الدينية واللادينية "العلمانية" على مستوى التفكير
والتغيير واسترتيجيات العمل وخارطة التحالفات والرد وردة الفعل في بقية العوالم
والسياسات، مما يضعنا امام سؤال كبير مفاده لماذا اختير العراق منطلقا للسباق
السياسي والصراع الطبقي والعمل على وجود المضادات في برامج المواجهة العنفية
واللاعنفية على طول الزمان، يمنحنا ذلك فرصة الفهم والتعرف على ثورة الحسين
وخلفياتها السياسية ومحذوراتها الامنية وكيف ان الحسين استطاع ان يمزق الخارطة
الجغرافية التي فرضت على اتباع منهج العدل في زمنه "التشيع" وكسر حاجز
التبعيات الإيديولوجية التي اراد لها "بنو امية" ان تتداولها الاجيال
جيلا "كالكره" بعد جيل بممارسات تعيد الامة الى "اكل القديد"
والزنا بالمحارم "واعتبار الحاكم الجائر حاكما فعليا لا يمكن الخروج عليه شرعا
من دعاة اتباع السلاطين.
المشهد المدني الذي سعى الحسين الى تحقيقة تركز بوضوعية الرأي
الصريح والتعبير عن إرادة التغيير دون مؤاربة وقالها "بملىء فمه" هيهات
منه الذله "وان مثلي لايبايع مثله" ولابد للامة من نصير فكان الطف هو
الميدان الحقيقي والجغرافيا والمنطلق للتغيير رغم اختلاف العدة والعدد الا ان
ارادة التغيير انتصرت وخرجت مدارس ثورية لم تقتصر على اتباع الحسين المرجع الشهيد
الاول في حركة التغيير العالمية وانما وضعت لبنات وجذور الفلسفة التغييرية على مر
الازمان.
العراق لا يحكم الا بمعرفة مسارات التغيير الفعلي وقراءة
الحالة المجتمعية والفهم الواقعي لمطالبها ولذلك فان الطروحات بمسميات الكتل
الاكبر والاصغر والوطنية ومحاور التفاهمات والاغلبية الناطقة والصامتة وتاييد تلك
الدولة الاقليمية والاجنبية لهذا المرشح من المكون الفلاني على حساب المكون
العلاني كلها غير مجدية مادام الجذر "مسوس" وتسري فيه ديدان التغلف
والعوز والاذلال والتبعية وتهميش القرار السياسي والمجتمعي. لذلك الحذر من
إرتدادات ثورة حسينية تطيع بحصون وقلاع أمويي القابضين على السلطة والمناورين
والافاكين. وضرورة الركون الى منطق العد والاخذ باسباب التحول والتغييرات السياسية
ومصلحة الامة كل ذلك كفيل بتحقيق الدولة العادلة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق