الأربعاء، 29 أكتوبر 2008

يوميات بغدادي

في سيارة الأجرة

· نوري حمدان
ذراع تحمل ولدي وأخرى تفتح باب السيارة التي استأجرتها كي توصل زوجتي إلى المستشفى التي تعمل فيها، نظرت أليّ وقالت : ما توصلنا ؟ أدركت القلق الذي كان يراودها اسوةً بالنساء العراقيات اللواتي يعانين من الوضع المزري الذي يمر به البلد، من تدهور في الوضع الأمني..
لم أتردد عن فتح الباب لأجلس على مقعد السيارة المجاور إلى السائق ولم أتحدث طوال الطريق بأي كلمة سوى التفكير بالإحداث التي نراها أو نسمع عنها كل يوم وكل ساعة ودقيقه، منها قصة الدراجة النارية المفخخة وأبو سارة وأيهم، التي انفجرت بعد ما تركها احد المجرمين الإرهابيين في ساحة الأندلس أمام مطعم راح ضحيتها عدد من الأبرياء العاملين في المطعم وزبائنه، كنت أزاول عملي في مقر الحزب، فكهرباء الإدارة تعطلت قبل يوم وفي نهاية تصليحها ارتجت بناية المقر من صوت الانفجار الذي حصل، ذهبت مسرعاً إلى ولدي أيهم، غالباً ما اصطحبه معي وهو يبلغ من العمر أربعة أشهر آنذاك فسبقني اليه الرفيق أبو سارة ليضمه إلى حضنه وينحني عليه ويلوذ به في إحدى زوايا الغرفة حتى لا ينال أي أذى. تركتهما وخرجت مسرعاً كي أتمكن من مساعدة الآخرين الذين ذهبوا ضحية الانفجار، وكان من بينهم الرفيق حسين ارداعة (أبو وثبة).
أما قصة اللطيفية وما يجري فيها فهي اقرب إلى الخيال فالمشهد صعب للغاية يقتل الإنسان بلا ذنب سوى حمله لهوية تبين انتماؤه الطائفي من اسمه.. كان يوما باردا وممطرا، توقف فيه سير السيارات في سيطرة وهمية يرتدي بها المجرمون الإرهابيون ملابس الجيش ليتمكنوا من قتل الأبرياء الذي اعتادوا على قتلهم منذ أيام نظامهم البائد.. أصبحت بينهم وبين سيارتنا ما يقارب خمس سيارات أي اقل من مئة متر وكانت لديهم سيارة أجرة (تكسي) تحمل أربع شباب، لم يرأفوا بالشباب ولا بالشيخ سائق السيارة أنزلوهم لينفذوا جريمتهم رمياً بالرصاص وهم يصرخون: لم نفعل شيء إننا في بغداد نبحث عن رزق عوائلنا. امتنع السائق من النزول ولم يفتح باب السيارة فمسك برأسه احد المجرمين ليخرجه من السيارة وانهال عليه بيده على رأسه وانزعه اليشماغ الذي يرتديه على رأسه ليلفه على عنقه كبديل لحبل مشنقة المجرمين.
انتهى الطريق عندما قالت لي زوجتي: لقد وصلنا إلى المستشفى.. فعلاً قد انتهى الطريق ولكن لم تنفذ الذاكرة من الإحداث التي حصلت ولم تنتهي الأحداث التي تحصل في بغداد كل يوم.
جميع ما ينشر في هذه المدونة للكاتب والصحافي نوري حمدان وهي متاح لجميع المؤسسات الاعلامية في استخدام. يتم التشغيل بواسطة Blogger.